هذه رسالة من الصديق د. محمد نعمان جلال وهو نموذج للمثقف الذي التزم دائما بقضايا وطنه وأمته في كل مكان عمل فيه سفيرا ومسئولا وكاتبا.. في بعض الأحيان نحتاج إلي من يشد من أزرنا حتي نكمل الرحلة. الأخ الفاضل الاستاذ والكاتب الكبير فاروق جويدة تحية طيبة وبعد أسطر لكم هذه الرسالة بعد أن قرأت مقالكم بجريدة الأهرام يوم 19 الجاري، ولقد شعرت بمشاعر متناقضة أولها الحزن لما وصل إليه حالنا نحن المثقفين من قبل الجهلاء وبعض أصحاب الصولجان وتابعيهم عندما شوهوا ثقافتنا الوطنية وكتابنا ومفكرينا الشرفاء الذين يعبرون عن استقلالية في الرأي وعن توجه وطني ويحرصون فيه علي مصالح الوطن دون السعي للحصول علي مكاسب، وحقا ما أشرت اليه في مقالكم من أنه علي المستوي الشخصي فإن الكاتب والمفكر والباحث من السهل عليه ولمصلحته الخاصة والشخصية أن يكيل المديح والاشادة بدلا من تقديم التحليل العلمي الموضوعي. والمبعث الثاني للحزن هو حالة تشوية المفاهيم والقيم والافكار في وطننا الحبيب حول مفاهيم عديدة مثل النقد والمعارضة، فالمعارضة في أي نظام ديمقراطي أو حتي نصف ديمقراطي هي مشروعة لأنها يوما ما اذا أراد الشعب باختياره الحر يمكن أن تتحول إلي حكومة وهذا ما يحدث ليس فقط في دول مثل بريطانيا أو فرنسا أو أمريكا بل في دول نامية مثلنا ولديها العديد من المشكلات والفساد والتخلف، ولكنها تحرص علي الديمقراطية والرأي الاخر وتهتم بسماع النقد لممارسات السلطة لديها مثل الهند أو باكستان أو سري لانكا فالمعارضة ليست عدو الشعب بل هي مؤسسة شرعية في أي نظام ديمقراطي أو شبه ديمقراطي. وفي منطقة الشرق الأوسط نجد نموذج ذلك في اسرائيل وتركيا وهي تقدم نموذجا واضحا بل في قبرص الشمالية التركية حيث تتناوب الأحزاب علي السلطة، ولكن للاسف فإن بعض الكتاب والصحفيين والسياسيين في مصرنا الحبيبة يشوهون كل شيء، في حين أن تاريخنا الإسلامي يعبر عن فكر مناقض لذلك تماما، فقد قال علماؤنا الافاضل في الماضي: "رحم الله أمرأ اهدي إلي عيوبي".. وقال عمر بن الخطاب قولته المشهورة الحمد لله الذي جعل في أمة محمد من يقوم عمر بالسيف عندما قال له أحد الحاضرين في المسجد تعقيبا علي طلبه إن اخطأت فقوموني، فقال له أحد الحاضرين إن أخطأت فسوف نقومك بسيوفنا. هكذا في جميع الحضارات التي لا يسيطر عليها المنافقون نجد المسئولين يرحبون بالنقد، ولكن كما قال وكتب أحد كبار كتابنا في الماضي عن دولة نفاقستان فإنها لا ترحب سوي بالمنافقين الذين يرغبون في ترويج النفاق حتي يغرق المسئول في الأخطاء وينهار نظامه وعندئذ ينقلبون عليه ويسبحون بحمد من يضطلع بالمسئولية بعده وهكذا. أما الارتياح لمقالكم فهو نابع من وجود أمثالكم في موقع يستطيع فيه أن يعبر عن الرأي الآخر ويكشف العيوب والمثالب والأخطاء وأوجه القصور. باختصار، إنكم لا تعبرون عن معارضة بل عن حيادية ورؤية تكمل الرؤية الرسمية التي يقدمها ويروج لها المنافقون ومن ثم تساعد في تصحيح الأخطاء للمصلحة الوطنية وانطلاقا من مسئولية القلم والفكر وهي أمانة ما بعدها أمانة. الأستاذ فاروق جويدة إنني أتابع مقالكم الأسبوعي وانتظره بفارغ الصبر لأنه يعبر عما يجيش بخاطري وخاطر كثيرين من أبناء هذا الوطن الحبيب لنفوسنا جميعا ولكن للأسف ليس لدي إمكانيات النشر مثلكم، وإن كانت أحيانا تتسرب بعض مقالاتي وتتضمن بعض الملاحظات التي أراها في مصلحة وطني وبلادي ونظامه السياسي، فأنا لست من المعارضة ولست من الحكومة، وأقول ما أراه صحيحا اعتمادا علي ما لدي من معلومات، ولا أبغي من ذلك سوي نشر الحقيقة، فإذا أحسن مسئول أقول إنه أحسن وإذا لمست منه خطأ أو رؤية مغايرة تضر بالوطن والشعب وبسمعته وبنظامه في الداخل أو الخارج أقول ذلك، وهذا كان وما زال موقفي حول الضريبة العقارية، وحول مدي الاستفادة من العلاقات الخارجية، وعدم اهتمامنا بالقدر الكافي بآسيا وعلي وجه الخصوص الصين والهند، وضعف الأداء الاقتصادي والفساد وأسلوب الخصخصة وحقوق الإنسان وغيرها من الموضوعات التي أراها قد تسيء لمصرنا الحبيبة ونظامها السياسي وشعبها وحضارتها. وأشدد علي يدكم بالاستمرار في مقالاتكم وتوضيح الرأي الآخر وليس المعارض فأنت لست من طلاب سلطة ولا منصب، ولكنكم كاتب حر شريف يقدر أمانة القلم ومسئولية الكلمة. د. محمد نعمان جلال