في تقرير مستقبل الاستثمار الذي تعده صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية بعد مرور عام علي أزمة الائتمان العالمية، قالت في تقريرها الأسبوع الماضي أن الأزمة المالية العالمية كشفت عن أهمية دور أسواق المال في دعم اقتصاد الدول، وأشارت إلي أن البورصات أصبحت في مكانة لا تقل أهمية عن دور البنوك المركزية بالنسبة للمستثمرين بمختلف أنواعهم خاصة بعد فشل السياسات النقدية والسلوك غير الإيجابي من جانب الاحتياط الفيدرالي الأمريكي أكبر وأهم البنوك المركزي علي مستوي العالم. وأكد ذلك ما قاله "ستيفن روتش" رئيس مجلس إدارة مؤسسة "مورجان ستانلي - آسيا" والذي طالب السلطة النقدية الأمريكية بضرورة أن تكون أكثر يقظة وانضباطا في نشر صواريخها الإشرافية والتنظيمية حتي تكون ترسانة لتجنب التأثير السلبي الزائد أو أي اسرافات جديدة في الصكوك، وأوضح أن نجاح السياسة النقدية هو جوهر الخروج من أي أزمة. وحذر "ستيفن روتش" من عدم معالجة المخاطر التي تعاني منها السياسة أو الصناعة النقدية العالمية أو الأمريكية علي حد سواء لأن ذلك قد يؤدي إلي أزمة أخطر خلال سنوات وليس عقودا وفي هذه الحالة ستفقد الدول ثقتها في حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث بدأنا نري أن التراخي بدأ يعود مرة ثانية. وأشارت الصحيفة إلي أن الأسواق المالية مازالت تسهم بدور كبير في نمو اقتصادات الدول سواء علي المستوي المحلي أو العالمي لأنها تعمل علي توجيه المدخرات في قنوات استثمارية تعمل علي دعم الاقتصاد وزيادة معدلات الرفاهية لدي الأفراد وايجاد فرص استثمارية جديدة، كما أن الدور الرئيسي لها هو تسهيل الحصول علي عملية تمويل طويل الأجل للحكومات والمؤسسات والبنوك من خلال إصداراتها المختلفة، وقالت إن البنوك المركزية رأت نفسها مرغمة علي التدخل في حل الأزمة بهدف تجنب حدوث انهيار في النظام المالي العالمي وأيضا تجنب حدوث كساد، وفي جميع أنحاء العالم تم الاتجاه لانقاذ الأنظمة المصرفية العالمية، وتنفيذ حزم التحفيز التي أقرتها الدول وعلي رأسها أمريكا، ومن ثم كان الاتجاه نحو تخفيض أسعار الفائدة بدرجة كبيرة جدا، ولم تكن تلك البرامج في أي مكان أكبر منها مثلما كان في الولاياتالمتحدة كما ذكرنا ثم بريطانيا. إلا أن الحديث عن التعافي أو التنبؤ باستراتيجية للخروج من هذه الجهة السابقة كان سابقا لأوانه الأمر مما جعل المستثمرين يواجهون قريبا فترة تجعلهم يبتعدون عن الاعتماد علي البنوك المركزية كأداة رئيسية لدعم النظام المالي، ومن ثم سنري التقلبات في أسعار الفائدة الأمر الذي يجعل المستثمرين في حيرة بشأن تلك البنوك المركزية رغم أهميتها القصوي في دعم الاقتصادات خلال الأعوام الماضية. وربما الأمر الذي يجعل المستثمرين في حيرة أيضا هو تعودهم علي سخاء تلك البنوك في الأعوام الماضية وتوافق مع ذلك السخاء للبنوك سير الحكومات أيضا في نفس الاتجاه وفقا لأسلوب العالم الاقتصادي "جون ماينارد كينز" إلا أن غياب ذلك في الوقت الحالي تسبب في زيادة العجز المالي وزيادة القلق بشأن السياسات النقدية المتساهلة. وارتفعت درجة الخوف لدي المستثمرين أيضا أن ينتهي الأمر بحدوث تضخم، بالرغم من حالة الضعف الاقتصادي الحالية، وما يؤكد ذلك هو انخفاض قيمة الدولار والجنيه الاسترليني وارتفاع أسعار الذهب إلي مستويات قياسية تتجاوز ألف دولار للأونصة وفقا لما قالته الصحيفة البريطانية، وربما يتساءل البعض لماذا الخوف من التضخم؟. لأنه عندما ترتفع معدلات التضخم يصبح الأفراد في رغبة شديدة نحو انفاق كل ما تقع عليه أيديهم ويفضلون أي لون من ألوان الأوراق المالية والاستثمار تفضيلا جما علي السيولة النقدية أو الأدخار ومن ثم يقبل المستثمرون الأفراد علي الأسهم والسندات أو يحولون نقودهم إلي أي عملات صعبة أكثر استقرارا ويعزفون عن أدخارها في شكل نقدي لأن النقود في هذه الحالة تكون مثل السلع والخدمات نتيجة ندرتها بالنسبة للقوة الشرائية للأفراد ومن ثم يجد المستثمر أن أسواق المال في هذه الحالة أفضل من البنوك لأنها تدر له أرباحا أعلي من إيداع أمواله في البنوك. وفي الوقت الحالي استفاد المستثمرون من حدوث تعاف كبير في قيمة الأصول نتيجة توافر السيولة التي تم ضخها من عمليات الحفز الاقتصادي ومن ثم أصبحت الحكومات مستثمرا يقدم علي شرائها من خلال جعل العوائد علي النقد وعلي غيره من الاستثمارات المأمونة منخفضة للغاية وأيضا أقبلت البنوك المركزية علي شراء السندات. ويتوقع كريس وتلنج الخبير المصرفي البريطاني أن تقوم الحكومات خاصة أمريكا ممثلة في القيدرالي الأمريكي بسحب السيولة من الأسواق والتي تدعم البورصات الأمر الذي يؤدي إلي الخوف من حدوث موجة أخري من البيع الشامل في البورصات لفترة طويلة، ومن ثم يكون ذلك بمثابة تقييد حرية الأسواق المالية التي كانت تتمتع بها من قبل وبالتالي يصبح النظام المصرفي أكثر تركزا وقوة ويضيف هذا سحابة سوداء وردا قاسيا علي من يردد مقولة "فشل البنوك" مؤكدا أن البنوك "أكبر من أن تفشل"، حيث سيتم انقاذها مرة أخري إذا فشلت في المستقبل، وهناك قضية أكبر تتمثل في أقدام كل من الاحتياط الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا علي توسعة ميزانيتيهما العموميتين بشكل كبير من خلال شراء سندات بهدف دفع أسعار الفائدة طويلة الأجل إلي مستويات أدني وتشجيع التعافي الاقتصادي إلا أن أسعار الفائدة طويلة الأجل هابطة في كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا أساسا منذ الأزمة العالمية.