لم تكذب حكومة الدكتور أحمد نظيف عندما هنأت نفسها بمناسبة عيد ميلادها الخامس وأصدرت تقريرا بعنوان "أداء الحكومة في خمس سنوات 2004 ،2009 تحدثت فيه عن إنجازاتها التي وصلت إلي ستين إنجازا في ستين شهرا بمعدل إنجاز كل شهر. لكننا رأينا أن الحكومة التي لم تكذب نظرت إلي هذه السنوات الخمس من زاوية واحدة فقط لا يظهر منها سوي إيجابياتها. أما سلبياتها واخفاقاتها في الفترة ذاتها فقد تم تجاهلها بالكامل واسقاطها من كل الحسابات، وهو ما ظهر عندما وضعنا في المقال السابق كتاب الحكومة وجها لوجه مع التقرير السادس للتنافسية المصرية. وربما تفتح الصورة أكثر وأكثر إذا أعدنا قراءة كتاب الحكومة في ضوء تقرير ثان لا يقل خطورة عن تقرير التنافسية المصرية، هو تقرير "التنمية الإنسانية العربية للعام 2009". وهو المجلد الخامس من سلسلة التنمية الإنسانية العربية التي يرعاها برنامج الأممالمتحدة الانمائي، ويضعها من وجهة نظر مستقلة "عدد من المثقفين والباحثين من البلدان العربية" كما جاء في موجز التقرير. هذه السلسلة من التقارير التي بدأت عام 2002 عندما كان المحرر الرئيسي هو الباحث المعروف الدكتور نادر فرجاني حددت في إصدارها الأول ثلاث "نقائص" في العالم العربي: نقص في هذه المعرفة، ونقص في الحرية، ونقص في تمكين المرأة. وكانت هذه "الثلاثية" هي موضوعات الاصدارات الثلاثة التالية للاصدار الأول، أي التقرير الثاني والتقرير الثالث والتقرير الرابع. ومع التقرير الخامس ظهرت مشاكل غير مسبوقة دفعت الدكتور نادر فرجاني للانسحاب، ثم دفعت الدكتور مصطفي كامل السيد، الذي خلفه، لأن يحذو حذوه، بل وان يعقد مؤتمرا صحفيا يعلن فيه "تبرأه" من هذا التقرير الذي تعرض ل" تدخلات" أثرت من وجهة نظره علي منهجية الدراسات والبحوث ومن ثم علي روح التقري ككل. ومع ذلك، ورغم وضع كل هذه الملحوظات السابقة في الاعتبار، جاء التقرير الخامس ليعطي إضاءات جديدة علي التخلف العربي عموما، خاصة ان هذا التقرير الأخير نظر إلي المنطقة العربية من زاوية جديدة إلي المنطقة العربية هي زاوية "أمن الإنسان". ويكتشف التقرير من خلال النظر إلي أوضاع المنطقة من هذه الزاوية ان جوانب القصور الثلاثة التي حددتها معالمها التحليلات الواردة في تقرير التنمية الإنسانية العربية الأول قد أزدادت عمقا بعد مرور سبع سنوات علي اصداره عام 2002. وإزاء هذه الصورة المزعجة يتساءل التقرير: لماذا كانت العقبات التي تعترض سبيل التنمية في المنطقة العربية عصية علي الحل؟ يري هذا التقرير أن الاجابة تكمن في هشاشة البني السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية في المنطقة، وفي افتقارها إلي سياسات تنموية تتمحور حول الناس، وفي ضعفها حيال التدخل الخارجي، وتضافرت هذه العناصر لتقويض أمن الإنسان، وهو الأساس المادي والمعنوي لحماية وضمان الحياة، ومصادر الرزق ومستوي من العيش الكريم للأغلبية. ذلك أن أمن الإنسان من مستلزمات التنمية الإنسانية، وقد أدي غيابه علي نطاق واسع في البلدان العربية إلي عرقلة مسيرة التقدم فيها. وهي نفس الفكرة التي دأبنا علي التشديد عليها في كثير من المناسبات بنقدنا المستمر لوضع تناقض بين "أمن الوطن" و"أمن المواطن" بل قهر المواطن باسم الدفاع عن أمن الدولة. وهي ممارسات حولت الكثير من الحكومات "الوطنية" في العالم العربي إلي سلطة لا تقل قسوة إن لم تزد عن الحكم الاستعماري.. الأمر الذي يؤدي إلي انعدام أمن الإنسان.