علي قدر محبتي لعشق فرنسا للآثار المصرية الفرعونية علي قدر انتباهي لتلك الرحلة المتوسطية الجديدة التي أرجو لها أن تسهم بالفعل في صناعة تعاون متوسطي لا يعيد انتاج أي شكل من أشكال الاستعمار، ولا يخفي في طياته أي نوع من العبودية الجديدة أو أي احتقار للعقل العربي أو الافريقي، وهو احتقار توجد بذوره في العديد من المظاهر المتمثلة في عزل المهاجرين القدامي في أحياء سكنية تعاني من البطالة والعوز في ظل دولة متقدمة مثل فرنسا، وكلنا قرأ وسمع عن سوء معاملة أوروبا المعاصرة لأكوام اللحم البشري الذي لا يجد وسيلة للحياة في افريقيا فيقطع أمواج البحر المتوسط عبر مراكب متهالكة يسقط البعض منهم صرعي الموج والغرق، وتنجو القلة لتجد اللعنة علي وجوه الشاطئ الآخر من المتوسط. أتذكر كل ذلك وأنا أقرأ عن تعاون علمي جديد بين المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي وبين مكتبة الاسكندرية حيث تقدم فرنسا العديد من التدريبات علي مناهج البحث العلمي وتكنولوجيا المعلومات وطبعا كان إسماعيل سراج الدين أحد مهندسي سد الفجوة التكنولوجية الهائلة بيننا وبين أهل الشمال المتقدم وشاركته توقيع الاتفاقية السيدة كاثرين بريشينياك رئيسة المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي. وطبعا كان لابد أن يكون للفراعنة نصيب السبق في أي مشروع تكنولوجي لذلك سنجد أول مشروع مشترك هو تصميم تصور ثلاثي الأبعاد لمعبد الكرنك بالأقصر. وإذا ما أضفنا ذلك إلي مشروع رقمنة الصحف المصرية الصادرة منذ عام 1976 واتاحتها للجميع علي شبكة الانترنت باستخدام التكنولوجيا المتقدمة فلسوف يجد أمثالي من الكتاب الذين أهملوا تنظيم أرشيف شخصي لهم أن يجدوا ما كتبوه منذ ذلك العام وحتي كتابة هذه السطور. أما ما مضي من سنوات سابقة علي ذلك فليس أمام أمثالي من المهملين سوي السعي الشخصي كي أرصد ما كتبت في المجلات خاصة صباح الخير وروز اليوسف. وكلما التقيت بواحد من الفرنسيين فأنا أتذكر ما قاله إسماعيل سراج الدين لحظة تسلمه لأرفع وسام فرنسي في العام الماضي حين أكد ان أفضل ما تركه نابليون لفرنسا هو الجملة القائلة إن القلم أكثر تأثيرا من السيف وأن ما يبقي من الثقافة أكثر قيمة من أخبار الحروب. أحكي كل ذلك لأني أتمني أن أجد في يوم من الأيام رغبة أكيدة عند أوروبا في احترام روح المساواة الإنسانية المهدرة تماما في العلاقات الدولية. أحكي كل ذلك وفي رأسي الحلم الذي سمعته كضرورة إنسانية وهي ديمقراطية الدول فعن طريق الصوت المتساوي في القرار العالمي الذي له صيغ تنفيذية يمكن لنا أن نسرع في سد الفجوة بين الشمال والجنوب وهذه هي رؤية فيلسوف السياسة المصري د.بطرس بطرس غالي. ولا مانع بطبيعة الحال أن يستمر الشغف بعشق فراعنة مصر وأن يتم تجسيد معبد الكرنك علي شبكة الانترنت ولكن لابد أيضا من زيادة الأبحاث العلمية في المجالات المنوعة من طب وكيمياء وأبحاث تفيد أهل الجنوب في افريقيا مثلما تفيد أهل الشمال وطبعا لن نكف عن الحلم بأن يكون البحر المتوسط بحيرة امان وتحضر بعد أن عاش لقرون وهو مسرح لصراعات لا حدود لها.