من جولة إلي أخري يمتد حوار المصالحة الفلسطينية الذي استمر لشهور طويلة منذ الانقلاب الذي نفذته حركة حماس في قطاع قبل نحو عامين، لكن دون جدوي، آخر التطورات في هذا الصدد تشير إلي التأكيد بالتوقيع علي اتفاق للمصالحة يوم 28 من الشهر الجاري بالقاهرة، في اعقاب جولة الحوار الفلسطيني القادمة التي ستعقد يوم 25 من نفس الشهر وتستمر ثلاثة أيام. لا أحد يشكك في أهمية الاجتماعات المكثفة التي تعقد بين حركتي فتح وحماس في جولات الحوار، لانها تناقش جميع القضايا العالقة والمختلف عليها، لكن التشكيك يأتي من طول الوقت الذي استغرقته هذه الاجتماعات والمناقشات دون جدوي تذكر، في كل جلسة من جلسات الحوار تبدأ بالتفاؤل بانتهائها إلي اتفاق يتم التوقيع عليه، وتنتهي إلي فشل دون التوصل إلي نتائج وفاقية حقيقية، وفي كل مرة تجد أطراف النزاع حججا جاهزة لتسويتها كمبرر لفشل الحوار. ويبدو ان هذه العوائق التي لا تنفك تظهر في كل جلسة حوار قد أثارت حفيظة القيادة المصرية التي نفد برها، ووصلت إلي حد تحدث فيه رئيس الاستخبارات المصرية الوزير عمر سليمان إلي وفدي فتح وحماس بلهجة حادة وحاسمة، محذرا الجانبين من انه إذا استمرا في المماطلات وتعطيل الحوار باستمرار فإن مصر سترفع يدها عن رعايته، فالقيادة المصرية تري ان القضية الفلسطينية هي هم مصر الاساسي، واستمرار الانقسام يهدد القضية الفلسطينية، ويقضي علي اي فرصة لاستمرار العملية السياسية، وان المطلوب انهاء هذا الانقسام الذي هو أساس البلاء، وحذر الجانبين من ان مصر سترفع يدها عن رعاية الحوار، رغم تمسكها بضرورة التوقيع علي اتفاق مصالحة مهما حدث، لأن مصر مقتنعة بوجود معالجة الانقسام أولا، وان تكون الاولوية لاعادة اللحمة للصف الفلسطيني، فهو الاساس الذي تندرج تحته القضايا جميعا مهما بلغت أهميتها، ويبدو ان لتحذير الوزير سليمان انعكاسات مهمة جدا علي الاطراف المتحاورة لاسيما في موضوع اعادة إعمار قطاع غزة وفتح معبر رفح الحدودي. ورغم ان الموقف المصري كان واضحا وحاسما ولا يحتمل اكثر من تفسير أو توضيح، إلا أن الخلافات بين حركة فتح والرئيس محمود عباس من جهة، وعدد من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، خاصة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين من جهة ثانية لاتزال قائمة علي خلفية إدارة الحوار في القاهرة مع حركة حماس، وصلت إلي الحد الذي هدد فيه عضو اللجنة المركزية لحركة فتح أحمد قريع بعدم التوجه إلي القاهرة لمواصلة الحوار مع حماس، في حال استمرت الانتقادات إليه، وإلي فريقه المحاور من عدد من الفصائل، خاصة الجبهة الديمقراطية والتي هددت بعدم توقيع اتفاق المصالحة المتوقع يتركز الخلاف في شكل اساسي علي اللجنة التي اقترحتها مصر، ووافق عليها أبوعلاء أثناء حوارالقاهرة بعد رفضها من كل فصائل منظمة التحرير لاسباب متباينة، ففيما رأت فتح وحزب فدا وجبهة التحرير الفلسطينية وجبهة التحرير العربية والديمقراطية ان اللجنة المقترحة التي ستتألف من ممثلين عن الفصائل ومستقلين ستعطي شرعية لانقلاب حماس في قطاع غزة، رفضت الجبهة الشعبية اللجنة من منطلق انها ستكرس الانقسام لانها ستعمل علي التنسيق بين حكومتي رام اللهوغزة، ما يعني إدامة أمده وليس انهائه. الجبهة الديمقراطية اعتبرت ان وفد فتح ورئيسه أبوعلاء وقعا في خطأ عندما وافقا علي اقتراح اللجنة، لكن الاخير برر الامر بانه تلقي تعليمات في هذا الشأن من الرئيس عباس، الذي بدوره برر الامر بانه لا يستطيع ان يرفض أي اقتراح مصري مهما كان، كما ان هناك نقطة خلافية أخري بين فصائل المنظمة من جهة وفتح من جهة أخري تتمثل في موافقة وفدها المفاوض علي مبدأ ان يكون النظام الانتخابي مختلطا بين نموذجي الدوائر والنسبي أي القوائم الانتخابية، الامر الذي ترفضه الفصائل الاخري. هذه الخلافات التي لا تنتهي بين الفصائل الفلسطينية، وعلي ضوء ما تطلبه التوافق التام حول القضايا الخلافية من مزيد من الوقت، فقد تم تحديد فترة التوقيع علي الاتفاق إلي أواخر الشهر الجاري، وقد وافقت مصر علي ذلك استنادا علي حرصها علي انهاء الانقسام الفلسطيني، ومن اجل الحفاظ علي قوة الدفع التي ستؤدي إلي الاتفاق وتفرض في النهاية التوحد لانهاء الانقسام وعودة وحدة الوطن. لقد كان يوم السابع من الشهر الحالي هو الموعد النهائي المقترح لاعلان اتفاق المصالحة الذي يمهد للعملية السياسية، وكانت مصر متفائلة بهذا الموعد للتوقيع، لكن ما حدث هو ان الجولة انتهت والتوقيع لم يتم، فهل يكون يوم 28 من الشهر هو يوم التوقيع النهائي بعد كل هذه الجولات الماراثونية المرهقة والتي لم تستطع رأب الصدع بين الفرقاء حتي الآن، وهل تستطيع الفصائل الارتقاء علي المصالح الضيقة في سبيل توحيد الكلمة والصف الفلسطيني الذي اكلته الخلافات ومزقته الصراعات؟ وهل يمكن ان يتحقق أمل ورجاء الشعب الفلسطيني في انهاء حالة الانقسام التي طال أمدها والعودة إلي وطن واحد وشعب واحد وجغرافيا واحدة؟ هذا ما ستظهره نتائج الجولة المرتقبة نهاية الشهر والتي ستحسم الجدل حول عقدة الاتفاق الفلسطيني!!