في معهد بكين للتكنولوجيا إمتلأ المدرج عن آخره واضطر الذين تأخروا في الحضور إلي الوقوف خارج المدرج. وكان الحاضرون كلهم من الطلاب المتأهبين للتخرج في غضون أسابيع. أما المناسبة فكانت هي انعقاد منتدي للتوظيف يحضره المسئولون عن شئون العاملين في عدد من الشركات الصينية. وكان كل طالب يحاول الحصول لنفسه علي فرصة عمل عن طريق هذا المنتدي علي الرغم من أن الشركات التي حضرته كانت تعرض أجورا لا تتجاوز ثلث متوسطات الاجور السائدة في العاصمة الصينية لأمثال هؤلاء الخريجين الجدد. والمقارنة أن الطلاب الذين تزاحموا علي هذا المنتدي كانوا كلهم من مهندسي البرمجيات. وتقول مجلة عن الايكونوميست.. إن الأزمة المالية العالمية داهمت الخريجين الجدد من الجامعات الصينية في وقت بالغ السوء. فقد كان هؤلاء الخريجين يعانون قلة فرص العمل حتي قبل أن يبدأ تباطؤ النمو في الاقتصاد الصيني وذلك بسبب الزيادات الكبيرة في أعداد الخريجين. وتشير الأرقام إلي أن عدد خريجي الجامعات الصينية هذا العام سيناهز ال 6.1 مليون خريج أي ستة أضعاف ما كان عليه الأمر في عام 2000. وفي العام القادم سيرتفع عددهم إلي 7 ملايين خريج أما في عام 2011 فسوف يصل العدد إلي 7.6 مليون خريج وذلك حسب الأرقام التي نشرتها أخيرا جريدة "بكين ايفننج نيدز" المملوكة للدولة. ومن المعروف أن حكومة الصين تحرص علي سيادة الهدوء داخل جامعاتها خاصته أن الطلاب هم الذين قادوا الهبات المطالبة بالديمقراطية في ثمانينيات القرن الماضي بما في ذلك مظاهرات ميدان تيانانمين الشهيرة عام 1989 التي قمعتها الحكومة بقسوة بالغة. ومنذ ذلك أصبح نادرا ما يتظاهر الطلاب من أجل المطالبة بالتغيير السياسي ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلي أن سرعة النمو في الاقتصاد الصيني كانت تستوعبهم وتوفر لهم فرص العمل التي يتوقون إليها بجانب تخفيف القيود التي كانت تفرضها الدولة في مجالات عديدة. ومما يذكر أن هولاء الخريجين كانوا في الثمانينيات لا يحصلون علي فرص العمل الآمن خلال التكليفات التي تصدرها لهم الحكومة. وليس معني ذلك أن طلاب الجامعات قد هدأوا تماما وإنما يتظاهرون بين الحين والآخر وعلي فترات متباعدة مثلما حدث عندما ضربت طائرات حلف الأطلنطي السفارة الصينية في بلجراد خلال عملية ضرب يوغوسلافيا عام 1999 وكذلك المظاهرات المناهضة لليابان في عام 2005 وتجدر الاشارة الي ان زهو زينجز هي نائبة حاكم مقاطعة شانكس شمال غرب الصين قد حذر في فبراير الماضي من ان السيطرة علي هبات الخريجين والمحافظة علي الهدوء في الجامعات هذا العام سيكون مسألة صعبة عن ذي قبل بسبب انتشار البطالة بين الخريجين وحلول الذكري العشرين لمظاهرات ميدان تيانانمين في يونية القادم. وتوقيا للانفجارات الطلابية والشبابية اتخذت الحكومة الصينية عددا من التدابير لتهدئة الموقف ومن هذه التدابير اتاحة قروض حكومية للشباب المتخرج من الجامعات تناهز ال50 ألف يوان "7300 دولار" لتمويل مشروعاتهم الصغيرة كما اعفت الحكومة الشركات التي توظف خريجي الجامعات من بعض انواع الضرائب ويسرت لها الحصول علي ما تريده من قروض. أما الخريجين الذين يلتحقون بالجيش أو يقبلون العمل في المناطق الفقيرة والنائية غرب الصين فيتم اعفاؤهم من اقساط ما سبق ان حصلوا عليه من قروض طلابية كما صدرت توجيهات لمجالس المدن باعطاء الأولوية في التوظف للخريجين من ابناء كل مدينة. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان الحكومة دأبت منذ عام 2006 علي اتخاذ كل من شأنه افادة هؤلاء الخريجين وتقليل معدلات البطالة بينهم بما في ذلك تشجيعهم علي العمل كمساعدين للمسئولين الرسميين في القري الصينية واعطت وعدا لمن يقبلون هذه الاعمال ويمضون فيها 3 سنوات بمعاملتهم معاملة تفضيلية عندما يتقدمون بعد ذلك لأية وظيفة حكومية وتذكر بلدية بكين التي تضم في زمامها مناطق قروية واسعة انها استطاعت توظيف اثنين من خريجي الجامعات في كل قرية. وفي العام الماضي كانت هناك 3 آلاف وظيفة خالية من هذا النوع ولكن عدد المتقدمين لشغل هذه الوظائف بلغ 17 ألف خريج والآن تشعر الحكومة بالقلق لأن من تم توظيفهم منذ 3 سنوات توشك عقودهم علي الانتهاء ليعودا مرة اخري للبحث عن وظيفة ولكن الحكومة وعدت هؤلاء بأن تمد لهم عقودهم لفترة أخري قادمة. وربما تشعر حكومة الصين بالسعادة جراء اقبال الطلاب علي الالتحاق بعضوية الحزب الشيوعي الحاكم ففي عام 1990 كانت نسبة الطلاب الحاصلين علي العضوية لا تتجاوز 1% اما الآن فقد ارتفعت هذه النسبة الي 8% ولكن ما قد لا تعرفه الحكومة هو ان هذا الاقبال الطلابي علي الالتحاق بعضوية الحزب الشيوعي الحاكم لا يتم حيا في الحزب أو في الشيوعية وانما لكونه مؤهلا للحصول علي الأولوية في التوظف ولذلك كتب كثيرون في سيرتهم الذاتية CV.