في قمة عربية غريبة من نوعها اجتمع الملوك والرؤساء العرب ليوم واحد فقط وأصدروا بعد ذلك بيانا توافقيا لم يأت بجديد إلا برفض مذكرة اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير. ويبدو أن الدولة المضيفة قطر كانت حريصة علي ألا تستمر القمة أكثر من ذلك حتي لا تنهار المصالحة الشكلية في اليوم التالي وبدلا من صدور بيان يحمل إعلان الدوحة كان ممكنا ألا يصدر أي بيان علي الاطلاق وينصرف بعض القادة غاضبين. وطبقا لمصادر سعودية موثوق بها فإن الملك عبدالله بن عبدالعزيز عاهل السعودية لم يستمع جيدا لما قاله العقيد معمر القذافي أثناء الجلسة الافتتاحية والذي حمل بعض العبارات التي تحمل قدرا من الإهانة واستجاب فقط لنداء المصالحة بعد وساطة أمير قطر، ولو كان يعلم قبل الموافقة علي طلب أمير قطر الاجتماع بالقذافي بأن ما قاله القذافي كان قاسيا وجارحا ما كان قد وافق علي الالتقاء به، فكلام القذافي طال شخص الملك عبدالله نفسه وهو ما يعني أن المصالحة بينهما لن يكتب لها النجاح. والدولة المضيفة قطر لم تكن فوق مستوي الشبهات في هذه القمة، فكيف تكون قمة للمصالحة العربية وهي تقوم بتوجيه الدعوة إلي إيران لحضور القمة رغم أنها تعلم جيدا أن القاهرة قد حذرت مرارا وتكرارا من التدخل الايراني في الشئون العربية. ولا يمكن اعفاء قطر من مسئولية ما تقوم به قناة الجزيرة التي لم تتوقف عن توجيه انتقادات عنيفة لبعض الدول العربية وبالأخص مصر وقادت حملة تشويه متعمدة للمواقف المصرية، وكانت معالجتها لأحداث غزة الأخيرة تحمل هجوما وتحريضا سافرا ضد القيادة المصرية. وكان عدم حضور الرئيس حسني مبارك لهذه القمة درسا بليغا لقطر بأن تتوقف عن ممارسة ألاعيب دبلوماسية المال التي تمارسها في محاولة ايجاد دور لها علي الساحة والتدخل في قضايا ليست طرفا أساسيا فيها أو افساد محاولات الآخرين لإنجاح هذه القضايا، والدور القطري في تشجيع حركة حماس علي التصلب في المواقف وعدم تسليم الجندي الاسرائيلي الأسير جلعاد شاليط هو خير مثال للدور الذي تحاول قطر القيام به لدوافع غير مفهومة. ولهذا جاء البيان الختامي للقمة هزيلا غير مقنع، فالعرب فيه أعلنوا الالتزام بالسلام والعمل علي تحقيق التضامن العربي ودعم صمود الشعب الفلسطيني وكلها عبارات إنشائية تكررت مرارا في القمم السابقة دون أن يكون لها تأثير يذكر. أما الحديث عن المصالحة العربية التي تمت فهو نوع آخر من الوهم في ظل وجود خلافات عميقة وجوهرية وكان عدم حضور الرئيس مبارك تأكيدا علي ذلك ورسالة بأن المصالحة العربية لا تتم بالأقوال واصدار البيانات والعناق الحار وإنما بالأفعال والسياسات والتنسيق في المواقف. والقمة التي حضرها زعماء 17 دولة عربية وتغيب عنها قادة خمس دول هي مصر والمغرب والجزائر وسلطنة عمان والصومال أوضحت جدوي وأهمية التوقف عن عقد القمة بعيدا عن مقر جامعة الدول العربية في القاهرة لأن كل دولة عربية تستضيف القمة إنما تحاول من خلال ذلك فرض وجودها واملاء كلمتها وتعزيز موقعها في صناعة القرار العربي وتستخدم في ذلك الوسائل المشروعة وغير المشروعة وهو أمر لم يكن موجودا في القمة السابقة ويثير الكثير من الخلافات التي تفقد القمة مضمونها وجدواها. إن المواطن العربي علي أية حال لم يعد علي قناعة بأن لهذه القمم جدوي أو تأثيرا فخلال كل القمم السابقة فإن المردود كان دائما ضعيفا، والتعاون العربي في الكثير من المجالات كانت شكليا، ومازال الشارع العربي يتساءل لماذا اجتمعوا.. وماذا سيفعلون، والإجابة بالطبع لا تحمل الكثير من التفاؤل..!