ماذا بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي أسفرت عن فوز كاسح لليمين المتطرف؟ فاليوم عاد اليمين ليحتل الواجهة بعدأن كلف شيمون بيريز نتنياهو يوم الجمعة الماضي بتشكيل الحكومة الجديدة. عاد اليمين المتطرف إلي دائرة صنع القرار في إسرائيل بما يؤذن بتصعيد الأمور في المنطقة، فنتنياهو هو الذي سبق وعارض اتفاقات أوسلو ومفاوضات كامب ديفيد الثانية وعارض حل الدولتين وعارض الانسحاب من الجولان. حكومة حرب جاء نتنياهو هذه المرة لكي تصبح حكومته حكومة حرب لاسيما مع مساندة حزب "إسرائيل بيتنا" له بزعامة ليبرمان. ولهذا فإن كل التوقعات تؤكد من الآن بأن حكومة نتنياهو فيما إذا نجح في تشكيلها ستكون حكومة حرب، فاختياره من شأنه أن يعرقل استحقاقات عملية السلام فهو لا يؤمن بالسلام وكل ما يتحدث عنه هو السلام الاقتصادي أي انه لا يعارض تحسين أوضاع الفلسطينيين المعيشية ولكن خلافا لذلك فإن لغة الحرب والاستيطان وتوسيعه هي المهيمنة علي تفكيره. بعيداً عن الانقسام انتخاب اليمين المتطرف في إسرائيل لم ينبع من فراغ ولقد جاء ليؤكد عنصرية الشعب الإسرائيلي وكراهيته للسلام والتعايش مع العرب. وجاء التصويت في الانتخابات الأخيرة "10 فبراير 2009" ليؤكد ترسيخ اليمين المتطرف بعد الهولوكوست الذي سلطته إسرائيل ضد فلسطينيي غزة وتأييد الأغلبية الإسرائيلية له لتثبت بأن شعب إسرائيل نهم بالاحتلال وسفك الدماء وسياسة التطهير العرقي ضد العرب. ولهذا ومن أجل مواجهة هذا الطاغوت والتصدي له يتعين علي العرب الجهر من الآن برفض التعامل مع حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة يقودها نتنياهو ويشارك فيها ليبرمان. يتعين علي العرب أن يلتزموا جميعا بموقف واحد بعيدا عن منطق الانقسام الذي فرض عليهم من قبل إدارة بوش عبر تقسيمهم إلي محور اعتدال ومحور ممانعة، فانقسامهم شجع كل من يتعامل معهم علي الصيد في الماء العكر وتغذية هذا الانقسام. والفرقة أضعفتهم وجعلتهم لقمة سائغة في نظر الاحتلال مما جعله أكثر اجتراء عليهم. توقعات مغلوطة شخص مثل ليبرمان رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" عنصري حاقد علي العرب ولهذا يجب التصدي له، فهو نازي أكثر من زعماء النازية في أوروبا ويكفي انه يطالب بترحيل العرب من ديارهم. غير أن سيطرة اليمين المتطرف في إسرائيل اليوم تستدعي لنا الحقائق التي قد تغيب عن الكثيرين في عالمنا العربي التي تتصل بعلاقة إسرائيل بأمريكا، فهناك من تنبأ بأن نتنياهو سيضطر أمام إدارة أوباما إلي التراجع عن يمينيته المتطرفة والحفاظ علي مسار أنابوليس 27 نوفمبر 2007 والاستمرار في التفاوض مع الفلسطينيين وغاب عن الذين تصوروا ذلك عدة أمور: أولها: أن إسرائيل هي التي تطرح ما تراه وأن أمريكا تجد نفسها تابعة لها ومنظرة لخطواتها وليس العكس، فأمريكا لا يمكن أن تملي علي إسرائيل شيئا. ثانيها: الحديث عن أن نتنياهو سيستمر في السير وفق مسار أنابوليس والتفاوض مع الفلسطينيين حديث مغلوط وكأن قائله يغيب عنه أن مؤتمر أنابوليس لم يسفر عن نتائج علي أرض الواقع تصب في صالح الفلسطينيين. بل علي العكس كل ما أسفر عنه هو تتويج إسرائيل كدولة يهودية وتوسيع الاستيطان وزيادة الحواجز التي تفرضها إسرائيل في الضفة الغربية. ثالثها: الإبقاء علي التفاوض مع الفلسطينيين بالصورة التي جرت بين عباس وطاقم أولمرت تفاوض عبثي لا طائل من ورائه. بل علي العكس اتخذته إسرائيل مظلة لتوسيع الاستيطان وقضم الأراضي واستكمال بناء جدار الفصل العنصري ومداهمة المنازل وهدمها علي رؤوس أصحابها. رابعها: السياسة الخارجية الأمريكية ممثلة في هيلاري كلينتون سياسة متعصبة لإسرائيل وممارساتها مائة في المائة، ولقد رأينا كيف أن هيلاري تؤمن بقدس موحدة وعاصمة أبدية لإسرائيل بل وبنقل السفارة الأمريكية إلي القدس. كما أن هيلاري تدعم جدار الفصل العنصري وتقف ضد قرار محكمة العدل الدولية بعدم شرعيته. الخروج من العجز يتعين علي العرب اليوم الخروج من بوتقة العجز الذي حال بينهم وبين التوصل إلي وحدة الموقف فيما بينهم، بل وجعل الساحة مفتوحة أمام أية تحركات خارجية، وانعكس هذا بدوره عجزا في حماية الأمن القومي العربي. ولهذا برزت حاجة الدول العربية إلي توحيد الصف ورأب الصدع فيما بينهم كي يتمكنوا من مجابهة التحركات الخارجية التي من شأنها أن تعمق الانقسام والتشرذم بين الدول العربية. الأمر الذي يؤدي إلي تدمير العمل العربي المشترك الذي سينعكس بدوره علي القضية الفلسطينية، ولاشك أن الانقسام الحالي بين فتح وحماس سيتعذر معه الوصول بالقضية إلي بر الأمان بما يعني حدوث تراجع حتمي فيها بحيث سيصبح من العسير بعد ذلك إنشاء دولة فلسطينية مستقلة. المنطقة والمشاريع الخارجية ما يخشاه المرء أن تعود بنا التطورات الحادثة اليوم إلي المربع الأول لينتهي الأمر بتصفية القضية الفلسطينية كلية، وعندئذ ستكون إسرائيل هي الرابح الوحيد حيث إنها هي التي تسيطر علي الأرض والسكان والموارد ولديها القدرة علي ترسيخ احتلالها بالإضافة إلي الدعم الممنوح لها من المجتمع الدولي الذي غابت عنه العدالة. ولهذا فإننا كعرب لا نملك إلا أن ننأي بأنفسنا عن الفرقة حتي لا تكون منطقتنا ساحة يرتع فيها الآخرون. يجب أن تتضافر الجهود وأن تعلن الأمة العربية مواقفها بصراحة وتحدد أهدافها واستراتيجيتها وتتخذ خطوات فعلية ضد من يحاول زرع إسفين بين دول المنطقة. يجب ألا تسقط المنطقة أسيرة لمشاريع خارجية. نتنياهو وتجربة سابقة يجب ألا ننسي هنا أن الانقسام العربي هو الذي شجع إسرائيل علي أن تمضي في حملة الإبادة الإجرامية التي سلطتها علي غزة وهو الذي شجع أمريكا وأوروبا علي التمادي في دعم الكيان الصهيوني، فإذا كان أهل البيت يمارسون سياسة التشرذم والانقسام والاختلاف فعلام يسعي الغرب إلي الضغط علي إسرائيل لوقف جرائمها؟! والآن يطل علينا نتنياهو من جديد بعدأن سيرنا سياسته عندما تولي رئاسة الوزراء بين 93 1996 فلقد تنكر للسلام ونشر معادلات إسرائيل السياسية التي تنضج بكراهية العرب ومعاداة السلام. واليوم علينا أن نجابه المواقف بما تستحقه حتي لا يجور أحد علي حقوقنا.