جاء أوباما ورحل بوش.. آمال انعقدت علي مجيئه ولكن لا حراك حيال قضايا المنطقة.. مجرد هلوسة كلامية حول الشرق الأوسط. مجرد شعارات يخاطب بها قوما غرقوا في الشعارات والمزايدات الكلامية. قبل تنصيبه رئيسا جديدا للولايات المتحدة اندلعت شرارة المحرقة الإسرائيلية ضد غزة. ولم ينبس بكلمة تحت دعوي أنه ليس الرئيس الذي يحكم وأنه مازال خارج دائرة البيت الأبيض. وجاء تنصيبه في العشرين من يناير بعد وقف أحادي لاطلاق النار وبعد أن ظهر حجم الدمار الذي خلفته إسرائيل ووقف أوباما يخطب ولم يورد ذكرا لغزة، فهل فعل ذلك عن عمد؟ هل تعمد إهمال غزة والقضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي؟ صحيح أنه وجه رسالة ودية للعالم الإسلامي ولكنها لم تقترب من صور الدم الذي أريق في القطاع. ماذا عن أوباما؟ رحل بوش غير مأسوف عليه بعد الاجتياحات المؤلمة التي نفذها وأراق فيها دماء العرب والمسلمين وبعد أن أثبت فشلا ذريعا في حلبة التفاوض حيث إنه لم يرد في الأصل سلاما للمنطقة وإنما استغل الموقف ليلعب به علي العرب والمقابل مصالح أمريكا وإسرائيل.. وتساءل الكثيرون ماذا عن أوباما؟ نغمة التفاؤل تضاءلت لاسيما وأنه لم ينطق بكلمة واحدة تدين المحرقة الإسرائيلية في غزة ولم يظهر أي بعد أخلاقي لسياسته الخارجية تجاه الفلسطينيين ومن ثم نظر إلي مواقفه تجاه المنطقة والعالم بالريبة والشك. لماذا غيَّب غزة؟ كان يتعين علي أوباما أن يتخذ موقفا بشأن القضية الفلسطينية خاصة أن انتخابه رفع سقف التوقعات من قبل الحليف والعدو علي حد سواء من أن مسار السياسة الخارجية سيتخذ منحي آخر، فإدارة أوباما لا تملك إمكانية تجاهل الأزمة أو الملف الفلسطيني الإسرائيلي خاصة أن ما حدث في غزة من مجازر نفذتها إسرائيل يضع إدارة أوباما أمام أزمة طارئة وقد لا تكون لديها القدرة علي عمل الكثير في ضوء ما أبداه أوباما من أنه لا يمكنه انتقاد إسرائيل مهما فعلت وأنه سيكون ملتزما بما سبق وصرح به في صيف 2008 عندما أكد علي العلاقة الخاصة مع إسرائيل. وعليه فإن خطة أوباما ستواجه تعقيدات كثيرة بالنسبة لعملية السلام في المنطقة لاسيما وقد كان من المقرر أن يعمل علي تحسين العلاقات مع العالم الإسلامي من خلال خطاب يلقيه في إحدي دول العالم الإسلامي خلال المائة يوم الأولي من رئاسته.. وما من شك في أن مذبحة إسرائيل في غزة وسقوط هذا العدد الكبير من الضحايا الفلسطينيين ستعمق التعقيدات حول إمكانية الحديث عن مباحثات السلام.. ولكن يتعين علي أوباما أن يأخذ في اعتباره أن التصاق أمريكا الدائم بإسرائيل ودعمها لها حتي لو ارتكبت كل الموبقات سيكون مسببا رئيسيا في احتقان العالم العربي والإسلامي ضد أمريكا واتهامها بتبني مواقف إسرائيل حتي لو كانت علي خطأ. دلالة اتصاله بعباس بدا أوباما وكأنه يسير علي نهج بوش عندما بادر واتصل بالرؤساء الذين أبرموا اتفاقيات مع إسرائيل، فاتصل بمحمود عباس، وبمبارك، وبعبد الله الثاني، وبالتالي لم يأخذ في الاعتبار عند اتصاله بعباس الوضع الفلسطيني الداخلي الذي يشكك في صلاحية عباس الذي انتهت ولايته في الثامن من يناير الحالي. بل إن اتصاله به اعطي الدلالة علي أنه لن يفتح قنوات اتصال مع حماس. وحتي إذا حدث اتصال فلن يكون بشكل مباشر وإنما من خلال قنوات غير مباشرة كأن تكون الوساطة عبر مصر. أوباما وقوالب بوش ولعل الإيجابية الوحيدة لإدارة أوباما حتي الآن هي تعيين جون ميتشل مبعوثا للشرق الأوسط، ولكن خلافا لذلك فإن ما طفا علي السطح يؤكد أن أوباما يصر علي اعتماد القوالب التي كانت إدارة بوش تعتمد عليها.. ومن ثم فإن شعار التغيير الذي بشر الجميع به في حملته الانتخابية لم يظهر بعد وهو الذي يحتم عليه فيما لو صدق أن يكون مختلفا عن بوش.. ولا شك أن إسرائيل عندما قامت بمحرقتها علي غزة لم تتحرك من فراغ وإنما تحركت وأحد أهدافها إغراق إدارة أوباما في الملف الأمني دون النظر إلي القضية الرئيسية لتحقيق المصير للفلسطينيين. ولا أدل علي ذلك من أن ليفني سارعت بإبرام الاتفاق الأمني مع كونداليزا رايس عشية تنصيب باراك أوباما ضمانا لأن يكون ملزما له فيما بعد، وهو الاتفاق الذي يتم بموجبه منع تهريب السلاح إلي حركة حماس في غزة براً وبحراً وجواً في المنطقة الممتدة من جبل طارق غرب المتوسط حتي مضيق هرمز بالخليج العربي، مرورا بمنطقة خليجي السويس والعقبة "سيناء" شرق المتوسط. والاتفاق بذلك يعتدي علي حقوق دول أخري في المنطقة وعلي سيادتها. بل إن مذكرة التفاهم تتضمن ملحقا سريا حول زيادة التعاون الاستخباري وبموجبها ستعمل أمريكا علي منع تهريب السلاح من إيران بحراً أو عبر مسارات تهريب من شرق إفريقيا. هيلاري الصهيونية في نفس الوقت لا يتوقع الكثيرون أن تتبني هيلاري كلينتون سياسة منصفة بالنسبة للفلسطينيين لاسيما وهي التي تبدو أكثر حرصا علي دعم وتأييد سياسات إسرائيل. ولا يفوتنا هنا انها هي التي صنفت حركة حماس كحركة إرهابية، وهي التي أكدت في الوقت نفسه تمسكها المطلق بأمن الدولة العبرية بل ونقل السفارة الأمريكية إلي القدسالمحتلة. ولعل الصورة التي تعكسها هيلاري الآن كوزيرة للخارجية في إدارة أوباما تختلف جذريا عن الصورة التي أبدتها يوم أن زارت غزة بصحبة سهي عرفات حيث طالبت يومها بدولة فلسطينية مستقلة وأبدت تعاطفا مع اللاجئين الفلسطينيين. بيد انها تغيرت كلية منذ أن كانت في حاجة للحفاظ علي مقعدها في مجلس الشيوخ ممثلة لولاية نيويورك.. ولا يظن الآن أن هيلاري ستتبني سياسة جديدة تعمد خلالها إلي المطالبة بإيقاف الاستيطان وإزالة الحواجز الأمنية في الضفة ورفع الحصار التجويعي الضاري غير الإنساني عن غزة وهو الحصار الذي حول القطاع إلي معسكر اعتقال لمليون ونصف المليون فلسطيني. العرب وأوراق الضغط وكأن هيلاري كلينتون بذلك لن تختلف عن كونداليزا رايس التي أيدت إسرائيل بشكل أعمي وأطاحت بسياسة الاعتدال وزايدت علي الحق. ولن ينسي أحد لهيلاري الخطاب الذي كانت قد ألقته أمام المؤتمر السنوي لمنظمة الإيباك عندما تحدثت عن شطب إيران من الخريطة ومسحها فيما إذا تجرأت علي مهاجمة إسرائيل. واليوم نتساءل ما الذي يمكن فعله مع إدارة أوباما الجديدة التي ينظر إلي مواقفها حتي الآن بالشك والريبة؟ يتعين علي القيادات العربية متخذة القرار مراجعة سياساتها مع أمريكا بحيث يجري العمل في هذه المرحلة الجديدة بنمط آخر يختلف عن السابق ويعتمد في الأساس علي استخدام لكل أوراق الضغط الممكنة التي يمكن أن تكون لها مردودات قوية ومؤثرة إذا ما جري تفعيلها في خدمة المصالح العربية وتسوية الصراع العربي الإسرائيلي بشكل عادل ومنصف بما يؤشر لمرحلة جديدة في العمل السياسي العربي. المهم الشروع في استخدام هذه الأوراق في هذا التوقيت الملائم الذي تبدأ فيه إدارة أوباما عهدها الجديد شريطة أن يكون الضغط حقيقيا وليس مجرد رتوش مظهرية.