سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بسبب تأخرها في مواجهة داعيات الأزمة المالية العالمية مليارات الحكومة الكورية تحقق بعض الاستقرار للبورصة وسعر العملة ولكنها تفشل في تبديد مخاوف المستثمرين والمستهلكين
في كوريا الجنوبية يعتبر الانضمام إلي عضوية أي ناد من أندية الجولف مطمعاً للأغنياء الجدد وتقول مجلة تايم إن العضوية محدودة في هذه الأندية ذات الهيبة والنفوذ وأنه يتم تداولها مثل الاسهم ويصل سعرها أحيانا إلي مئات الآلاف من الدولارات ومنذ عام مضي كان ثمن عضوية نادي الجولف الذي يخص كيم جووهيونج الرئيس التنفيذي لاحدي شركات السمسرة الصغيرة يصل إلي 350 ألف دولار ولكن مع وصول آثار وتداعيات الأزمة المالية العالمية إلي كوريا بدأ أصحاب عضوية أندية الجولف المتعثرين يبيعون عضويتهم للحصول علي النقود بل ودخل بعضهم في مباراة لحرق الأسعار مع اشتداد اليقين بأن كوريا الجنوبية تشهد أزمة مماثلة للأزمة الآسيوية عام 1997 واضطر كيم أن يدخل السباق أخيرا وباع عضويته مقابل 190 ألف دولار فقط وقد حدث ذلك بعد أن أصبح كيم علي قناعة بأن الأزمة الراهنة أشمل وأعمق من أزمة عام 1997 وأنها سوف تستمر لعدة سنوات. والحقيقة الواضحة أن الكآبة التي يعاني منها كيم هي جزء من الكآبة العامة التي تخيم علي الاقتصاد الكوري الجنوبي وهو الاقتصاد رقم 13 في العالم من حيث الحجم فمثلما حدث في مختلف أنحاء العالم نجد أن الذعر الذي انتاب وول ستريت قد انساب ليسكن في عقول وقلوب رجال الأعمال والمصرفيين وربات البيوت في كوريا الجنوبية حيث يخافون جميعا من العواقب الوخيمة للركود العالمي ونظرا لاعتماد كوريا الجنوبية الشديد علي التصدير شأنها في ذلك شأن باقي دول آسيا فإن لن تستطيع النجاة من آثار الانكماش الأمريكي ويتوقع بنك الاستثمار العالمي جولدمان ساكس أن نمو إجمالي الناتج المحلي في كوريا الجنوبية لن يتجاوز معدله 3.9% في عام 2009 وهوأقل معدل منذ عام 2003. ولا يخفي علي أحد أن الكارثة المالية العالمية الراهنة لها صدي عاطفي خاص علي هذه الدولة التي تضم 49 مليون نسمة فالكوريون الجنوبيون لا يزالون يتذكرون الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 وما حدث فيها من افلاسات وبطالة وشعور عميق بعدم الثقة في المستقبل لقد اعتبر الكوريون الذين كانوا قد اعتادوا علي النجاح أن اضطرارهم لطلب ضمانة مالية من صندوق النقد الدولي آنذاك بمثابة نقطة ضعف يجب ألا تتكرر ولكن ما يحدث الآن هو أقرب ما يكون لما حدث بالأمس فكوريا الجنوبية من أشد الدول تأثرا بالازمة المالية العالمية لأن الخوف وعدم الشعوربالأمان قد انتشرا في قلوب الناس جميعا وليس رجال الأعمال فقط الغريب أن هذا يحدث علي الرغم من أن هناك بعض الخبراء الذين يتوقعون أن ينجح الاقتصاد الكوري الجنوبي في أن يظل يتحرك حتي ينجو من كارثة الركود. وتقول مجلة "تايم" إن الناس بدأت تمسك عن الانفاق وأن المصرفيين لم يعودوا متحمسين للاقراض وخاصة للشركات الصغيرة وهذا الشك الذي يسيطر علي المصارف يمكن أن يجعل الانكماش أكثر حدة وعموما فإن هذه المشاعر جميعا تبدو لها ما يبررها بالنظر إلي التاريخ الحديث لكوريا الجنوبية فهذه الدولة تحولت في غضون جيل واحد من دولة فقيرة تعيش علي المعونات الأمريكية إلي دولة صناعية قادرة علي المنافسة العالمية خاصة في صناعات الشرائح الكمبيوترية والسيارات وشاشات التليفزيون المسطحة وأي انتكاسة لهذا التقدم يأخذها الناس بجدية ويسعون متضامنين من أجل تجاوزها ويبدو أن هذا هو ما يحاول أن يفعله الرئيس الكوري لي ميونج باك وهو يستنهض همم الكوريين لملاقاة هذه الأيام الصعبة. وواقع الأمر أن الحكومة الكورية الجنوبية قد أخطأت التقدير عندما ظنت أنها ستكون بمنأي عن الأزمة المالية العالمية صحيح أن خسارة بنوكها بسبب مشكلات الرهن العقاري الأمريكي لا تتجاوز 70 مليون دولار وأن لديها احتياطيات بالنقد الاجنبي في خزائن البنك المركزي تناهز 240 مليار دولار وأن ذلك في رأي الاقتصاديين كافٍ لمروقها من الأزمة ولكنه صحيح أيضا أن بنوك كوريا الجنوبية تعتمد كثيرا علي التمويل الخارجي في الوقت الذي كف فيه هذا التمويل وكف الاجانب عن استثمار أموالهم في كوريا الجنوبية وأمام هذا الوضع حدثت تراجعات ضخمة من البورصة الكورية وانخفضت قيمة العملة الوطنية بنسبة 10% يوم 16 أكتوبر الماضي وهو أكبر انخفاض يحدث منذ الازمة الآسيوية عام 1997. واليوم يتهم الكوريون رئيسهم وحكومته بالتأخر في مواجهة تداعيات الازمة المالية العالمية حتي أصبح تأثيرها علي كوريا الجنوبية أعمق مما يجب وأمام الضغوط الشعبية بدأ الرئيس الكوري وحكومته مجابهة الازمة بعد يوم 16 أكتوبر حيث رصدت الحكومة 100 مليار دولار لضمان ما تحصل عليه البنوك الكورية من قروض أجنبية حتي منتصف عام 2009 وعقد البنك المركزي الكوري اتفاقية مع بنك الاحتياط الأمريكي تتيح تدفق الدولارعلي الاقتصاد الكوري وفي مطلع نوفمبر أعلنت الحكومة عزمها علي ضخ 11 مليار دولار أخري لتحفيز الاقتصاد الوطني بعضها في صورة اعفاءات ضريبية والبعض الآخر في صورة إنفاق حكومي علي البنية الاساسية.. وقد أدت هذه الخطوات إلي بعض الاستقرار في البورصة وسعر صرف العملة ولكنها للأسف لم تستطع إخراج الكوريين من مخاوفهم الاقتصادية حتي الآن.