بعد بداية مبشرة في مطلع 2008 عاد معدل نمو الاقتصاد الاوروبي الي التراجع خلال الربيع والصيف، ومنذ 6 أشهر فقط كان كثير من المراقبين يرون ان الدول الخمس عشرة الاعضاء في منطقة اليورو علي الاقل سيمكنها بقليل من الضرر التكيف بل مقاومة أزمة الائتمان التي نجمت عن انهيار سوق العقارات الامريكية ولكن هذه الآراء ذهبت الآن ادراج الرياح بعد ان دخلت دول منطقة اليورو حالة الجمود الاقتصادي يمكن ان تتحول الي ركود حقيقي. وتقول مجلة "نيوزويك" ان أزمة الائتمان الامريكية ليست هي المسئولة بصفة رئيسية عما تعانيه اوروبا، وانما المسئولية تقع اساسا علي ارتفاع اسعار البترول من 73 دولارا للبرميل عام 2007 الي 146 دولارا للبرميل خلال ذروته في يولية من العام الحالي، فهذا الارتفاع في اسعار البترول أكل كل الزيادة في دخول المستهلكين التي حدثت خلال العام الحالي وجعل المستهلكين ينفقون هذه الزيادة علي الوقود والطعام فقط ولم يتبق لهم سوي القليل الذي يمكنهم انفاقه علي السلع والخدمات الاخري. أضف الي ما تقدم ارتفاع سعر صرف اليورو من 1.37 دولار في المتوسط خلال العام الماضي ليصبح 1.6 دولار خلال ذروته في يولية الماضي وهو ارتفاع لا تستطيع دول اليورو تحمله رغم ما قامت به من اصلاحات، والنتيجة ان حال منطقة اليورو قد اصبح الآن أسوأ من حال الولاياتالمتحدة، فالولاياتالمتحدة بفضل ضعف الدولار تتمتع بانتعاش في الصادرات حيث تزيد صادراتها بمعدل 20% سنويا بينما دول اليورو تكافح دون جدوي من اجل زيادة صادراتها، وبجانب ذلك فإن المردودات الضريبية التي أعادتها الولاياتالمتحدة للشركات والافراد اسهمت في تمويل الزيادة في اسعار الوقود اما في دول اليورو فهي لم تستطع ان تقدم مثل هذا الحقن الاقتصادي والنقدي بسبب ما تنوء به ميزانياتها من ديون. ولكن من حسن الحظ ان هذا التوعك الاوروبي قد لا يستمر الي ما بعد الشتاء القادم، فدول اليورو تحملت صدمتي ارتفاع سعر البترول وارتفاع سعر صرف اليورو وهما صدمتان لن تتكررا وهو ما يعطي املا في المستقبل، فقد بات واضحا الآن ان سعر البترول ينخفض ولا يرتفع وان الطلب عليه يقل بالفعل في العديد من الدول عدا الصين، ومن خبرة الحوادث السابقة نستطيع القول بأن انفاق المستهلك الاوروبي عادة ما يبدأ في التعافي بعد 6-9 أشهر من ذروة اي ارتفاع في اسعار البترول، وقد انخفضت اسعار البترول بالفعل بمقدار 41 دولارا من الذروة التي بلغتها في يولية الماضي واذا استمر هذا الحال علي منواله فينتظر ان يتعافي انفاق المستهلك الاوروبي في الربيع القادم أو ربما قبل ذلك اذا واصل سعر البترول انخفاضه. وعلي جانب آخر، تقول مجلة "نيوزويك" ان اليورو الذي كان سعره عام 2000 لا يزيد علي 0.82 دولار قد انتهت دورة ارتفاعه ويرجع الفضل في ذلك جزئيا الي ما يتخذه البنك المركزي الاوروبي من سياسات خصوصا بعد تخلي البنك عن سياسة محاربة التضخم في الاسابيع الاخيرة وهو ما أدي الي انخفاض سعر صرف اليورو بنسبة 8% خلال 6 أسابيع ليصبح 1.47 دولار. والأهم من ذلك ان اوضاع الاقتصاد العالمي صارت الآن تعمل لصالح الدولار، فزيادة الصادرات الامريكية ادت الي تراجع العجز في الميزان الحسابي الامريكي، ورغم ان بنك الاحتياط الفيدرالي ليس متعجلا فإنه سيعود علي الارجح قبل نهاية العام الحالي او مع بداية العام القادم الي رفع اسعار الفائدة علي الدولار من جديد، ونحن نعرف ان سعر الفائدة علي الدولار حاليا "2% مقابل 4.25 لليورو سنويا" يجعله غير جاذب للمستثمرين ولكن هذا الوضع سوف يتغير ويزداد الطلب علي الدولار وتعود قيمته الي الزيادة مرة اخري امام اليورو او سواه من العملات العالمية، ويتوقع الخبراء ان يتم في غضون عام انخفاض سعر صرف اليورو الي 1.4 دولار فقط بل ربما تكون هناك فرصة لعودة سعر صرف اليورو الي معدله الطبيعي فيما بين 1.15و1.20 دولار. وباختصار، فإن انخفاض اسعار البترول وتراجع سعر صرف اليورو سيسعدان المستهلكين والمنتجين علي حد سواء داخل دول اليورو، فالصادرات ستحصل علي دفعة قوية، وانفاق المستهلكين سوف يزيد وهذا سيؤدي الي عودة دول اليورو لتحقيق النمو مرة اخري اعتبارا من ربيع عام 2009 خصوصا اذا وضعنا في الاعتبار انها لم تجن بعد كل ثمار ما احدثته من اصلاحات في سوق العمل وحتي لو تفاقمت أزمة اسواق الائتمان العالمية فسيكون في مقدور دول اليورو ان تتحاشي آثارها وان تجعل من عام 2009 عام استرداد القدرة علي تحقيق النمو الاقتصادي من جديد.