دخلت الهدنة بين حماس والفصائل الفلسطينية الأخري وبين إسرائيل حيز التنفيذ منذ أيام، ولاتزال صامدة.. ويري معظم المراقبين أن الهدنة التي رتبت لها مصر مع الأطراف الفلسطينية تواجه تحدياً قوياً باجتيازها فترة صمود لأطول وقت ممكن حتي يمكن البناء عليها بالخطوات التالية. المعروف أو المنطقي أن "الهدنة" ليست هدفا في حد ذاتها وإن كانت إسرائيل ترغب في ذلك. ولكن الجانب الفلسطيني يريد انهاء حالة الحصار علي قطاع غزة، وفتح المعابر وخاصة معبر "رفح" مع مصر.. كذلك تريد إسرائيل استعادة الجندي الأسير لدي حماس وهو الأمر الذي تم إرجاؤه إلي ما بعد اجتياز التهدئة فترة الاختبار الأولي بنجاح. أعتقد أن السنة الماضية كانت قاسية جداً علي قطاع غزة، وقد عاني سكانه كل أنواع العنت الإسرائيلي من حصار وضرب وقتل للضغط علي حركة حماس التي استولت علي السلطة في قطاع غزة واتخذت موقفا مبدئيا معاديا من المفاوضات وإقرار سلام مع دولة إسرائيل. تطور الظروف والضغوط المتبادلة أدي إلي إعادة كل من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلي "مربع عملي" بعيدا عن الخيالات التي داعبت حركة حماس بإمكان تغيير اتجاه الواقع العربي والدولي تجاه إسرائيل، وهو اتجاه عام إلي تحقيق انسحاب إسرائيلي من جميع الأراضي المحتلة بعد يونية 67 وإقامة دولة فلسطينية علي تلك الأرض عن طريق المفاوضات. التشدد من جانب حماس ومن جانب إسرائيل، والولاياتالمتحدة تراجع لصالح وجهات النظر المعتدلة التي أفادت منذ البداية بأن الاستمرار في العنف لن يؤدي إلي نتيجة، كما أن الإفراط في القوة العسكرية لن يضمن شرعية مستمرة ولا مؤقتة لاحتلال إسرائيل للمناطق العربية. الملاحظ أن تحذيرات تصاعدت في إسرائيل خلال الأشهر القليلة الماضية من المضي في سياسة التصعيد العسكري بالتوازي مع الاستعدادات التي قامت بها الحكومة الإسرائيلية لشن هجوم كبير وكاسح علي قطاع غزة. وقالت التحليلات الإسرائيلية إن امكانيات إسرائيل العسكرية في الوقت الحالي لن تسمح لها باجتياح القطاع والمحافظة علي احتلاله وضمان عدم اطلاق صواريخ علي جنوب إسرائيل.. وكل ما يمكن عمله هو القيام بعمليات انتقامية ضد المقاومين الذين يطلقون الصواريخ وإيقاع الضحايا، بما يؤكد استمرار مسلسل الصراع والانتقام. مع اقتراب نهاية ولاية بوش في الولاياتالمتحدة تغيرت لهجة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط كثيرا، وظهر ميل إلي تحقيق بعض المكاسب السياسية للإدارة الأمريكية المغادرة ربما تحسن فرص المرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية المقبلة.. وهكذا دارت عجلات التهدئة في المنطقة بأسرها.. ولنا عودة.