في افتتاح المؤتمر القومي الثاني للسكان ذكر الرئيس مبارك أن مصر تحتل المرتبة السادسة عشرة بين الدول الأكثر كثافة سكانية في العالم وأن الزيادة السكانية تلتهم عائد التنمية وتتجه بالبلاد إلي حدود غير آمنة. والسؤال الذي يفرض نفسه أين السياسة السكانية طوال الخمسين سنة الماضية؟ لقد كانت لدينا وزارة للسكان ثم تحولت لوزارة الصحة والسكان ثم مجلس أعلي للسكان وهكذا واليوم يطالب البعض بمجلس قومي للسكان وكانت لمصر برامج لتنظيم الاسرة وكانت لها ميزانيات ضخمة بالعملة الصعبة مثل ميزانية صناديق ومجالس قومية حالية ومردودها محدود. السؤال لماذا الآن؟ المجلس الأعلي للسكان وبرامج تنظيم الاسرة اعتمد علي عدد من الموظفين والمسئولين الذين يتطلعون للحصول علي مرتبات كبيرة ومكاتب فاخرة وكتابة تقارير وأبحاث وهكذا بلا عمل حقيقي في الشارع المصري. ولهذا يتضاعف سكان مصر بصورة سريعة لم تحدث في الدول الأخري، لأن الأرقام التي تقدمها الهيئات الحكومية أرقام غير صحيحة وهي أرقام هدفها تبرير الوجود والانجاز أكثر من تعبيرها عن حقائق ولهذا ظهر لدينا عدة ملايين من أطفال الشوارع ومن المساكن العشوائية ومن أصناف البطالة الحقيقية والمقنعة ومن الانجازات الاقتصادية التي بعضها حقيقي ومعظمها وهمي وأرقام مصنوعة أو كما يقال مفبركة ويروي عن أحد رؤساء الوزارات السابقين وعن بعض الوزراء السابقين والحاليين انهم ينطلقون في ذكر أرقام واحصاءات وبيانات لو جمعت لأصبحت مصر دولة متقدمة بها بترول عظيم وغاز طبيعي أكبر ومعدل نمو أكبر من الصين وصناعات تكنولوجية أكبر من الهند واختفت ديونها أو كادت تختفي ثم يخرج علينا مسئول آخر فنكتشف أن الديون زادت والدين الداخلي بلغ مرحلة الخطر والصراع بين الوزراء علي صندوق المعاشات وأحوال أصحاب المعاشات لكي يتم سداد العجز ورهن البترول مقدما حتي موعد نفاده وكذلك الغاز الطبيعي ويستمر مسلسل الانجازات غير الحقيقية أو المبالغ فيها ونكتشف فجأة أن طابور الخبز أمام الأفران هو المحك الحقيقي الذي يقول للسادة الوزراء أرقامكم وانجازاتكم مثل أعمالكم مردودة عليكم. هل في مصر مشكلة سكانية؟ نقول نعم ولا؟ إن المشكلة قائمة مادامت السياسة الراهنة قائمة فتبديد الموارد وبيع الاصول وفرض ضرائب جديدة علي العقارات معظمها جزافي وعشوائي وهدفه محاباة رجال الأعمال هو الذي يخلق المشكلة ويؤدي بالطبقة المتوسطة للتناقص والطبقة العاملة للزيادة ويحتدم الصراع الطبقي وتزداد العشوائيات ويزداد معدل الفقر في مصر ويتراجع تقديرها ومكانتها في التقارير الدولية. ومشكلة السكان تحتاج لعلاج جذري يحدد النسل أو ينظمه أيا كان التعبير المستخدم لمدة عشر سنوات علي الأقل لمواجهة الأزمة الراهنة. كما تحتاج لوعي اجتماعي واقتصادي بمخاطر السكان المتزايدين بصورة منفلتة ويضطلع بمهمة التوعية هذه رجال الدين ورجال الاعلام ورجال الأحزاب خاصة الحزب الوطني الذي له عيونه وكوادره في القري والاحياء الشعبية. كما يحتاج الأمر لاعطاء حوافز لرفع الطبقة الفقيرة إلي مصاف المتوسطة بأن يعطي حوافز لمن ينجب طفلاً أو طفلين علي الأكثر وتفرض ضريبة اجبارية علي من ينجب أكثر وكما قال الفقهاء إن الله يردع بالسلطان ما لا يردع بالقرآن أي أن العقاب هو أسس الانضباط. ويحتاج الأمر أيضا لمعالجة العشوائيات وأطفال الشوارع الذين يتوالدون بصورة مذهلة فهناك بواب عمارة مثلا لديه 12 طفلا فهل هذا معقول؟! وماذا يفعلون؟ أن هذا يجب توعيته أولا ثم معاقبته ثانيا. ومن زاوية أخري لابد من تغيير هيكل التعليم بالتركيز علي التعليم الفني وزيادة مدارس ومعاهد التدريب المهني حتي يمكن مواجهة البطالة وايجاد عمالة ذات مستوي حيث إن العمالة المصرية أصبحت اضحوكة بين الشعوب لا تفهم معني الدقة والاتقان، ولا تدرك مفهوم الوقت المحدد وتبالغ في أجورها وتخرب في عملها. قد حققت مصر في 6 أكتوبر أعظم انجاز، ومصر عبدالناصر بنت السد العالي ومصر في عهد حسني مبارك مطالبة بثلاثة أمور. الأول: ثورة في الفكر العملي والمنهج التطبيقي فالوزراء لا يجب إلا أن يكونوا في مواقعهم يتفقدونها ولا يعتمدون علي التقارير المشوهة التي يقدمها المرؤوسون والمحافظون يجب أن يبقوا في محافظاتهم لابد أن يعيشوا في القاهرة في اجتماعات شبه دائمة لمجلس الوزراء ومجلس المحافظين وقديما قيل إذا أردت قتل عمل ايجابي فأنشئ له لجنة والآن يمكن القول إذا أردت اعاقة العمل فيمكن أن تحيله إلي مجلس المحافظين فهم معظم الوقت في القاهرة بعيدا عن محافظاتهم والوقت الذي يقضونه في محافظاتهم لا ندري كيف نعلق عليه ونتركه لفطنة القارئ اللبيب يجب أن يكون الحكم المحلي أكثر فعالية فالصين باتساعها لا يمكن حكمها من بكين ولم اسمع عن حكام الاقاليم في اجتماعات دائمة مع رئيس الوزراء والوزراء. الثاني: القيام بثورة في العمل السياسي الشعبي فالحزب الوطني وكذلك أحزاب المعارضة يجب أن تخرج للجماهير بخطة عملية لتعبئتها من أجل الأهداف الوطنية المشتركة مثل مكافحة الطالة ومكافحة الأمية، ومكافحة الفساد ومكافحة التلوث إن القمامة في طرقات القاهرة وضواحيها كما هي في طرق وجسور المحافظات وبعض السادة المحافظين يخربون ويصلحون ثم يخربون نفس الشوارع الرئيسية ولا يذهبون للشوارع الفرعية والمناطق الجديدة هل هذا معقول؟! الثالث: ثورة حقيقية في النظام العقاري.. إن عقارات بنيت في العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي يتم تأجيرها بجنيهات محدودة ومعدودة علي أصابع اليد الواحدة وليس ذلك أدني مبالغة. وأقول إن هذه عقارات موجودة في أرقي مناطق مصر الجديدة التي خططها المهندس البلجيكي ولاتزال قوية رغم الزمن ولكن عمارات بناها مهندسون مصريون من غير ذوي الضمير الحي تنهار قبل أن تكتمل وهذه العقارات القديمة كيف تفرض عليها ضرائب.. إن أصحابها يتضورون جوعا وسكانها ينعمون بالسعادة بلا مقابل وأصبح لديهم شقق وبيوت في مناطق أخري ولكنهم لا يتركونها للورثة الفقراء البوساء. إن الضرائب العقارية يحب أن تفرض علي أصحاب المساكن الفاخرة والفيلات الضخمة وليس علي من يملك شقة يعيش فيها إن الاصلاح العقاري مع الإصلاح الضريبي يعد ضرورة حية لمصر وللمصريين ويمكن أن يصلح من الحالة الاجتماعية والاقتصادية لفئات عديدة من السكان. إن مصر مبارك مطالبة بعمل جاد حقيقي يتحدث عنه العالم مثل انجازات الصين أو الهند أو ماليزيا أو تركيا أو جنوب افريقيا وليس مثلما تحدث أحد السادة الوزراء في مجلس الشعب يقارن مصر مع رواندا وتشاد هل هذا معقول؟! طبعاً إذا وصل مستوي مصر إلي مستوي تلك الدول التي لم يكن لها وجود علي الخريطة وإذا تفاخر وزراء في مناصبهم بأنهم أحسن من تشاد فيجب أن تعرض انجازات هذا الوزير أو ذاك علي الشعب وأن يحاكم أمام محكمة الشعب وليس من رجال الحزب الوطني الذين دأبوا علي الدفاع عنه ظالماً أو مظلوما بحكم الانتماء الحزبي. أن مبارك سيدخل التاريخ لو حقق انجازات تغير من حالة معيشة المواطن ومستوي التعليم ومستوي الصحة فالعالم لا ينتظر في القرن الواحد والعشرين بطاقات التموين ولا الاستيلاء علي أموال أصحاب المعاشات لسداد العجز في ميزانية الدولة ولا فرض ضرائب جديدة لتغطية زيادة الأجور إن مصر مليئة بالكفاءات وبالعقول الجبارة والمطلوب اعطاؤها الفرصة لاصلاح الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية وليس ابقاء وزراء في مواقعهم أو تنقلهم من وزارة لأخري دون انجاز حقيقي لصالح شعب مصر وليس لصالح صندوق النقد الدولي.