الارتفاع في أسعار البترول عالميا أوجد سيولة عالية جدا في بعض البلدان المصدرة والمنتجة وعلي رأسها بلدان الخليج العربي التي باتت تزخر بسيولة عالية تحتاج إلي استثمارات وأوعية تتنامي داخلها، ولعل هذه السيولة باتت الطريق المستهدف أمام العديد من الدول خاصة التي تسعي دائما إلي استقطاب المزيد من السيولة داخل بورصاتها وأسواقها المالية.. وهذا أوجد تساؤلات في الوقت الحالي تلمح إلي إمكانية جذب مزيد من تلك السيولة للبورصة المصرية، فهل تستطيع البورصة المصرية الاستفادة من السيولة الخليجية والفوائض المالية الناتجة عن زيادة أسعار البترول؟ لعل التلميحات الأخيرة التي تم نفيها حول إمكانية فرض ضرائب علي الأرباح الرأسمالية للبورصة وكذلك القرارات المتخذة بشأن فرض ضرائب علي أذون الخزانة والسندات أوجدت حيطة كبيرة بين شرائح المستثمرين خاصة الأجانب والعرب من ضخ مزيد من السيولة بالبورصة المصرية وهو ما أوجد تساؤلات مجددا حول إمكانية إعادة الثقة لأولئك المستثمرين من جديد وكيفية حدوث ذلك في الوقت الراهن. اتفق خبراء سوق المال في أن البورصة المصرية قطعت شوطا كبيرا في جذب حجم كبير جدا من الأموال الأجنبية مما ساعدها علي منافسة أكبر أسواق المنطقة، غير أنهم أجمعوا علي أن هناك أمورا تؤثر علي البورصة بشكل واضح من بينها بعض القرارات الاقتصادية المتخذة من الحكومة خاصة تلك التي تم البت فيها مؤخرا فيما يخص فرض ضرائب علي أذون الخزانة والسندات، هذا إلي جانب أن الحكومة تتعامل مع البورصة علي أنها قطاع اقتصادي عادي رغم أنها أهم القطاعات الاقتصادية. لاشك في أن البورصة المصرية هي الأكثر أمنا والأنشط خلال السنوات الأخيرة بين بقية البورصات العربية لما يتم اتخاذه وتطبيقه من اَليات داخلها وهو ما دفع العديد من المستثمرين العرب والأجانب إلي توجيه أجزاء كبيرة من محافظهم المالية للاستثمار بها، هذا ما يؤكده خالد علي العضو المنتدب لشركة المجموعة الاقتصادية لتداول الأوراق المالية الذي يري أن القرارات التي اتخذتها الحكومة مؤخرا لا نستطيع أن نقول إنها منعت أموال الخليج الفائضة من التدفق للسوق المصري لكنها بكل صراحة ووضوح أخرتها. ويضيف أن السوق المصري يواجه منافسة كبيرة بينه وبين البورصات الناشئة الأخري ومن ثم فكان من الواجب أن تراعي الحكومة قبل اتخاذ أية قرارات هذه المنافسة والكيفية المناسبة لاستقطاب المزيد من السيولة المتاحة في بلدان الخليج تحديدا تلك التي ستساعد كثيرا في إيجاد نشاط هائل بالبورصة. ويشير العضو المنتدب للمجموعة الاقتصادية لتداول الأوراق المالية إلي أن قدرة السوق المصري علي جذب المزيد من الاستثمارات العربية لاتزال قائمة مطالبا الحكومة المصرية بالتحلي بالحنكة والدقة في اتخاذ أي قرارات من شأنها الإضرار بالبورصة التي تمثل ترمومتر الاقتصاد المصري. ويختلف خالد الطيب العضو المنتدب لشركة بايونيرز لتداول الأوراق المالية مع الرأي السابق حيث أوضح أن القرار الأخير فرض ضرائب علي أذون الخزانة والسندات سيسهم في حرمان البورصة المصرية من السيولة الخليجية التي تبحث عن أسواق تحمل الطمأنينة الكافية لها، مؤكدا أن ما فعلته الحكومة لم يكن متوقعا وكان قرارا عشوائيا غير مدروس وغير معمول به في أي من البورصات العربية. ويستطرد الطيب موضحا أن الأموال الخليجية الناتجة عن ارتفاع أسعار البترول التي ارتفعت إلي مستويات قياسية كان من الأحري علي الحكومة التركيز علي جذبها من خلال البورصة باعتبارها الأداة الأكثر جذبا للاستثمارات خاصة مع ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات والمشاكل التي تواجهها الصناعة محليا وهو ما يجعل البورصة الأكثر جذبا للمستثمرين الأجانب. ويشير الطيب إلي أن السوق المصري للأوراق المالية كان قد نجح فعليا في جذب مزيد من السيولة الخليجية خلال الأعوام الثلاثة الماضية غير أن الانهيارات المفاجئة والناتجة عن تهاون حكومي في كثير من الأحيان فضلا عن غياب صانع حقيقي للسوق هما السبب في توقف هذه السيولة الأكثر نجاحا ودعما للبورصة المصرية. أما محمود شعراوي المدير التنفيذي بسيتي تريد للأوراق المالية فيعتبر التحول الذي تشهده منطقة الخليج من ارتفاع في أسعار البترول بشكل كبير وقياسي كان لابد له من استراتيجية في استقطابه من خلال تعزيز أداء واَليات البورصة المصرية، مشيرا إلي أن ما حدث مؤخرا لم يكن قرارا منطقيا فقد حرم البورصة ومصر من سيولة خليجية هائلة قادرة علي تحويل البورصة المصرية من وصفها بأنها ناشئة إلي سوق كبيرة ذات مزايا متعددة تنافس قريناتها العربية. ويري شعراوي أن السيولة ورأس المال هما العنصر الرئيسي في تحريك البورصات بشكل عام والاقتصاد ككل، مشيرا إلي أن الخليج يمتلك من السيولة المتاحة ما يساعد علي تحقيق أكبر قدر من النشاط لأي بورصة من بورصات المنطقة.