لا أحد يمكنه الجزم بأن جولة الرئيس الأمريكي التي انتهت مؤخرا للشرق الأوسط، ستكون الأخيرة، إذ مازالت له سبعة شهور في السلطة لا يستبعد أن تتضمن جولة أخري، فهنا ثمة رئيس أمريكي "يوحي إليه"، والوحي الذي يأتيه، ليس له مهمة سوي التوصية بسياسات لا تخدم مصالح الدولة العبرية فقط، بل تجامل هواجسها أيضا، وهي هواجس تتعلق في الغالب بعقدة الأمن، إلي جانب انجاز تسوية تقتضي فرض الاستسلام علي الفلسطينيين، وكذلك علي الوضع العربي الذي لابد أن يمنحها الغطاء اللازم. لا يتعلق الأمر فقط بالبعد العقائدي الذي يفرض علي بوش استمرار التحرك حتي ساعاته الأخيرة في البيت الأبيض، وإنما يتعلق أيضا بطموحاته كرئيس لابد له من انجاز ماكي لا يسجله التاريخ كأسوأ رئيس للولايات المتحدة في تاريخها كله، ليس علي الصعيد السياسي والعسكري، بل علي الصعيد الاقتصادي أيضا، هو الذي تسلم دولة في قمة ازدهارها الاقتصادي، بينما يسلمها لخلفه في وضع بائس. يضاف إلي ذلك بالطبع طموحه لتحقيق انجاز يساعد حزبه في الانتخابات الرئاسية المقبلة. في الدولة العبرية كان علي بوش أن يتعامل مع هواجس الاسرائيليين ويمنحهم ما يستطيع من الطمأنينة بأن أعداءهم سيختفون واحدا تلو الآخر، بدءا بحزب الله ومرورا بحماس، وليس انتهاء بإيران التي لن يسمح لها بامتلاك السلاح النووي بأي حال من الأحوال، حتي لو اضطر أو اضطر خلفه إلي استهدافها بضربة عسكرية. وإذا كان اللافت في جولة بوش الأخيرة هو عدم تتويجها لأي انجاز علي صعيد التسوية كما كان الأمل، فإن ذلك لا يعني نهاية المطاف، فهو لن يخرج من السلطة إلا وقد أمن الدولة العبرية باتفاق ما ينسجم مع طموحات شارون الذي تذكره وترحم عليه خلال كلمته أمام الكنيست الصهيوني، بدليل تصريحاته فيشرم الشيخ التي أكد فيها التأكيد علي ثقته بانجاز اتفاق قبل نهاية 2008. ما سيشتغل عليه بوش في حال عدم التوصل إلي اتفاق شامل، هو اتفاق اطار أو تفعيل خريطة الطريق التي تصل إلي الدولة المؤقتة. أماعلي الصعيد العربي فيبدو أن لسان حال الزعماءالعرب يقول إننا أمام زعيم راحل مسكون بالرغبة في تحقيق انجاز، وهو جاهز لارتكاب أية حماقة ضد من يقفون في وجهه، ولذلك من الأفضل الانحناء أمام عاصفته حتي تنجلي، من دون أن يعني ذلك بالضرورة تماسكا أمام خلفه في حال فوز ماكين. من هنا كانت الاستجابة السعودية له، علي صعيد أسعار النفط بزيادة صغيرة في الإنتاج لن تغير بالضرورة مزاج السوق المستمر في الصعود، إلي جانب صفقة عسكرية جيدة، وصولا إلي مجاملته علي صعيد الموقف من إيران، في وقت تعيش العلاقات السعودية الايرانية أجواء الأزمة اللبنانية ولا يستبعد أن يكون قد حصل علي دعم ما لحكومة المالكي وخطة فرض الأمن في مختلف أنحاء العراق. في شرم الشيخ، وبصرف النظر عن المعلن من المحادثات، يرجح أن حديث الخطر الايراني كان حاضرا بقوة فضلا عن دعم حكومة المالكي، لكن الأهم هو ملف حماس واستمرار برنامج حصارها في غزة إلي جانب ما هو أهم ممثلا في دعم مصر لاستمرار التفاوض، أملا في اتفاق شامل يهدف إلي تطبيق خريطة الطريق وصولا إلي الدول المؤقتة. كل ذلك لا يعني أن أحلام بوش ستتحقق، فهو رجل تلاحقه لعنة الفشل منذ جاء إلي السلطة، لكن أية ترتيبات يجري التواصل إليها في الساحة الفلسطينية لن تستقر، حتي لو مرت في مراحلها الأولي، وذلك بسبب الواقع الذي نتحدث عنه دائما متمثلا في الحالة التي تعيشها جبهة الممانعة والمقاومة في المنطقة.