لو أن الحكومة هي التي عرقلت عقد مؤتمر عن إحدي قضايا الحريات لأقمنا الدنيا ولم نقعدها، لكن ما العمل إذا جاءت هذه الخطوة الاستفزازية والاستبدادية من جانب زملاء مهنة يفترض فيها وفيهم وفي نقابتهم أنهم حصن الدفاع عن الحريات؟! هذا ليس سؤالاً استفهامياً، وليس سؤالاً افتراضياً.. وإنما هو سؤال استنكاري لذلك الذي حدث في نقابة الصحفيين يوم الجمعة الماضي حيث كان من المفترض أن ينعقد "المؤتمر الوطني الأول لمناهضة التمييز الديني"، وهو المؤتمر الذي قامت بتنظيمه حركة "مصريون ضد التمييز"، وهي حركة أهلية من جمعيات المجتمع المدني يشارك فيها عدد من الشخصيات المصرية المرموقة، المهمومة بسؤال الحرية وقضية المواطنة ومكافحة كافة أشكال التمييز بسبب الدين أو اللون أو الجنس. هؤلاء لم يحاولوا عقد مؤتمرهم في نقابة الصحفيين ب "الذراع"، بل دخلوا البيوت من أبوابها، وحصلوا علي موافقة نقيب الصحفيين الأستاذ مكرم محمد أحمد شخصياً، ودفعوا ثمانية آلاف جنيه قيمة ايجار إحدي قاعات مبني النقابة. وأعلنوا علي الملأ وبجميع الوسائل المطبوعة والمسموعة والمرئية والإلكترونية برنامج مؤتمرهم وأسماء المشاركين فيه، وفي مقدمتهم نقيب الصحفيين شخصياً! ومع ذلك فإنهم فوجئوا لحظة افتتاح المؤتمر، يوم الجمعة الماضي، بمنعهم من دخول النقابة. من الذي اتخذ قرار "المنع"؟ تقول جريدة "البديل" إنهم "7 صحفيين بعضهم أمسك "شومة".. وعلي رأسهم جمال عبدالرحيم عضو مجلس النقابة ومعه صالح رجب وماجد علي وآخرون كانوا قد أمضوا الليل بالنقابة. وحضر نقيب الصحفيين مكرم محمد أحمد ووقعت مشادة بينه وبينهم ومنعوه من دخول النقابة في البداية، وتم عقد اجتماع طويل معهم حضره مصطفي بكري رئيس تحرير جريدة "الأسبوع" والدكتور سامر سليمان عضو الحركة، وقال سامر سليمان إن الصحفيين السبعة أبلغوا النقيب رفضهم لعقد المؤتمر بسبب وجود البهائيين ضمن الحضور وروجوا بعض الأكاذيب حول قيام قناة إسرائيلية بتغطية المؤتمر. أما رواية جريدة "الوفد" فخلاصتها أن الأحداث بدأت بقيام جمال عبد الرحيم سكرتير عام مساعد النقابة ورئيس لجنة النشاط للتصدي بغلق القاعات التي كان مقرر لها أن تشهد المؤتمر وانضمت إليه أعداد كبيرة من أعضاء النقابة الرافضين لاقامة المؤتمر وتصاعدت حدة المواجهة بين النقيب وعبد الرحيم.." وهي تقريبا نفس الرواية التي نشرتها "الدستور" التي أضافت أن هذا الشد والجذب تحول إلي "مشادات كلامية وأحداث وصلت لحد رفع الكراسي تهديداً باستخدام العنف البدني". هذا العنف أكدته صحيفة "المصري اليوم" التي قالت إن هذه "المشادة العنيفة" قد وصلت لحد التراشق بالألفاظ النابية والتشابك بالأيدي بين مكرم محمد أحمد وعدد من أعضاء النقابة. وأضافت القصة الخبرية التي نشرتها "المصري اليوم" ان أعضاء النقابة الرافضين للمؤتمر قاموا بالاعتصام في مقر النقابة - في الليلة السابقة لهذه الأحداث - كما أغلقوا أبواب النقابة لمنع دخول أي شخص من غير الأعضاء والعاملين في النقابة، وعلقوا لافتات ضد المؤتمر تؤكد رفضهم مخطط تقسيم مصر أو النيل من الإسلام. أما "نهضة مصر" فقد أشارت إلي لقاء تم عقده بمكتب المرشد العام للأخوان المسلمين للتجهيز لمنع المؤتمر"، وأوردت تساؤل البعض: "أين لجنة الحريات بالنقابة وأين محمد عبد القدوس من كل هذه الأحداث؟"، خاصة أنه اختفي من المشهد تماما رغم أنه من أكثر أعضاء مجلس النقابة مواظبة علي حضور أي فعاليات. ومن مجمل هذه الروايات التي نشرتها صحف تنتمي إلي مدارس صحفية وفكرية مختلفة نجد أنفسنا أمام عملية "اختطاف" لنقابة الصحفيين قامت بها مجموعة محدودة العدد من الأفراد. هذه المجموعة التي تزعمها عضو بمجلس النقابة، هو الزميل جمال عبد الرحيم، من حقها أن تتبني أي موقف تشاء إزاء هذا المؤتمر، أو غيره، ومن حقها أن تعبر عن هذا الرأي بجميع السبل المشروعة، داخل النقابة وخارجها، وداخل مؤتمر مناهضة التمييز الديني وخارجه. لكن ليس من حقها أن تفرض رأيها ب "القوة".. فهذا أمر خطير ومرفوض عموما، فما بالك أن يحدث في مكان يفترض فيه أنه حصن الدفاع عن الحريات وفي مقدمتها حرية العقيدة وحرية التعبير. والأسباب التي رددوها لتبرير فعلتهم شأنها شأن العذر الذي هو أقبح من الذنب. من هذه الأسباب أن حركة "مصريون ضد التمييز" في رأيهم كما نقلته جريدة "الأسبوع" "إحدي الجمعيات غير الشرعية التي رفضت وزارة التضامن الاجتماعي إشهارها لتلقيها أموالا من الخارج".