قد تكون قمة دمشق من أكثر القمم العربية المثيرة للجدل، لما كشفت عنه من انقسام عربي تجاه قضايا المنطقة، إلا أننا نحاول أن نطرح من خلال هذا التحقيق تساؤلا حول امكانية نجاح القمة الاقتصادية العربية المزمع عقدها في يناير 2009 بدولة الكويت، فالبتأكيد لن تكون خلافات فتح وحماس ولا أسلحة حزب الله ولا جرائم إسرائيل علي أجندة القمة ولا غيرها من القضايا التي اختلفت العرب إزاء مواجهتها وسبل حسمها وإنما سيكون الموضوع الرئيسي علي الأجندة هو "التنمية" في العالم العربي وتحقيق اندماج أكبر، وسوق مشتركة وتوفير خدمات تنموية في مجالات البنية الأساسية والصحة والتعليم وتحقيق الأمن الغذائي وغيرها من القضايا الملحة، فهل يتفق العرب في "الاقتصاد" بعد أن اختلفوا في السياسة؟ وما هي أبرز الموضوعات التي ينصح بها الخبراء ومجتمع الأعمال بوضعها علي رأس أجندة القمة لضمان نجاحها؟ محمد جاد علي غرار القمة العربية هناك البعض يعتبر ان مجرد عقد "القمة الاقتصادية" هو في حد ذاته انجاز، فكما قال لنا السفير جمال بيومي رئيس اتحاد المستثمرين العرب فهناك دعاوي لهذه القمة من عام ،2003 وإن انعقادها "مطلب في حد ذاته" مشيرا إلي أن جهود العمل العربي المشترك في تفعيل اتفاقية التيسير العربية أسهمت في رفع متوسط التجارة البينية العربية إلي 12% كما ارتفعت نسبة صادرات مصر للعالم العربي من مجمل صادراتها إلي 17% وهي نتائج ايجابية نستطيع أن نبني عليها خطوات قادمة. إلا أن بيومي حدد عددا من العوائق التي علي القمة أن تضعها علي أولويات أجندتها وهي تنشيط حركة النقل البري والبحري من خلال تيسير اجراءات عبور الحدود البرية وتوفير خطوط نقل بحرية بين الدول العربية بشكل أكبر، كذلك سهولة انتقال رؤوس الأموال بين الدول العربية من خلال تنشيط دور المصارف في هذا المجال وتسهيل انتقال رجال الأعمال، وعندما سألناه حول ما إذا كانت النسبة الحالية للتجارة البينية تعد ضئيلة مقارنة بقدرات العالم العربي أجاب أن السبب وراء ذلك هو أن 70% من واردات العالم العربي لا تنتج في العالم العربي ولدينا فجوة في ميزان الغذاء بين الاستيراد والتصدير ب 20 مليار دولار واعتبر ان صياغة مشروعات تنموية مشتركة بين الدول العربية خلال القمة القادمة هو الحل الأمثل لزيادة حجم التجارة البينية. "صفوة رجال الأعمال فقط معوقات أخري كشفتها لنا أمل حسن زكي رئيس اتحاد المصدرين والمستوردين العرب فعلي الرغم من حرص مجلس الوحدة الاقتصادية التابع للجامعة العربية علي حل مشكلات تنقل رجال الأعمال بين الدول العربية من خلال مشروع "بطاقة المستثمر العربي" فإن المشروع يضع شرطا ألا يقل رأس مال المستثمر المستحق لهذه البطاقة عن 50 مليون دولار وهو ما يعني خروج شريحة كبيرة من رجال الأعمال الذين يمثلون نسبة مهمة من العمل العربي المشترك كما اضافت، وتلفت أمل إلي أنه حتي علي المستوي الثنائي فإن اليمن والسودان تتيح لرجال الأعمال المصريين الدخول بدون تأشيرة بينما لا تتيح مصر لليمنيين والسودانيين هذه التيسييرات وتقول أمل حسن زكي: "كيف نجتذب رجل الأعمال العرب للسوق العربية في ظل تعقيدات استخراج التأشيرة وهو يستطيع ان يستخرج فيزا ل 19 دولة بالاتحاد الأوروبي بإجراء واحد وميسر؟ الجمارك.. والعملة الموحدة كما تشير أيضا إلي مشكلة أخري وهي عدم وعي موظفي الجمارك بالتسهيلات المتاحة من خلال الاتفاقيات الثنائية العربية وتضرب مثالا علي ذلك بإحدي شكاوي أعضاء الاتحاد من عدم اعتراف موظفي الجمارك علي أحد المنافذ بتعديل للبند الجمركي في مجال الأحبار بين مصر والأردن وهو ما اضطر الاتحاد للاتصال بالجمارك وايضاح الأمر، مؤكد علي ضرورة منح الاتحاد واتحادات أخري للمستثمرين العرب سلطات أوسع للتعجيل بخدمة المستوردين والمصدرين العرب وتقليل عبء التكلفة عليهم. وتري أن توحيد العملة العربية يجب أن يكون علي رأس المشروعات التي تتبناها القمة نظرا لنجاح أوروبا في توحيد عملتها وهو ما ساهم في دعمها في مواجهة الدولار بينما لازالت العملات العربية في تذبذب مع صعود وهبوط الدولار. وتلفت إلي مشروع عربي مازال في بدايته قد يسهم في دفع التجارة العربية وهو "برنامج التبادلية التجارية للاستثمار والتنمية" والذي يقوم علي تفعيل التجارة بين مصر والسودان واليمن بحيث يصدر كل بلد السلع الناقصة في البلد الآخر. شهادة المنشأ مشكلة شهادة "المنشأ" من أكثر المشكلات التي تعوق التجارة البينية ولا يستوعبها الرأي العام "لطبيعتها الفنية" وهي كما شرحتها لنا د.نهال المغربل الخبير بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية تعد "شهادة ميلاد للمنتج" تثبت انتاجه في بلد المنشأ وفقا لمعايير تختلف باختلاف المنتجات وتتعلق بحجم القيمة المضافة المحلية أو وجود عملية تصنيعية محلية بعينها وذلك بهدف اثبات استحقاقها للإعفاء الجمركي وفقا للاتفاقيات التجارية، وعلي مستوي العالم العربي مازالت الدول العربية لم تتفق حول الكثير من قواعد المنشأ، إلا إنها تلفت إلي أن دول اتفاقية أغادير نجحت مؤخرا في توحيد قواعد المنشأ معتبرة أن هذا الإنجاز جاء بدرجة كبيرة مدفوعا بالرغبة في الاستفادة من مزايا التصدير لأوروبا من خلال تراكم المنشأ الذي تنص عليه اتفاقية الشراكة، وهي التجربة التي علينا تعميمها علي المستوي العربي. استيراد الغذاء!؟ "إذا بدأنا بالتفكير في الاندماج من خلال تحرير التجارة فنحن في طريق مسدود".. هكذا يقول مجدي صبحي الخبير بمركز الأهرام للدراسات فهو يعتبر أن العالم العربي حرر التجارة "علي الورق" نظرا لتشابه هياكله الانتاجية والتصديرية ما بين بترول ومنتجات بترولية وصناعات غير عالية التكنولوجية، بينما يلفت إلي قضية مهمة تبنتها قمة الرياض في توصياتها وهي التعاون في مجال الاستثمار والانتاج معتبرا إن هذا هو حجر الزاوية للعمل العربي المشترك مضيفا: "هناك حاجة للانتاج العربي المشترك.. كيف نكون من أهم المستوردين لللحوم والحبوب وفي السودان أكثر من 20 مليون فدان صالحة للزراعة". ويتفق معه الخبير الاقتصادي د.شريف دلاور حيث يري أن تجربة الاتحاد الأوروبي كانت تقوم علي فكرة التحرير نظرا لأن الدول المؤسسة للاتحاد كانت تتشابه بدرجة كبيرة في ظروفها الاقتصادية بينما يجب أن تقوم التجربة العربية علي فكرة "التكامل" نظرا لاختلاف الموارد ومستويات الدخول بين الدول العربية، ويري دلاور إن مشروعات الغذاء والمياه وبدائل الطاقة وتدريب العمالة من أهم المشروعات التي يجب أن تضعها القمة علي أجندتها لما تمثله من أمن قومي للمنطقة. فيما يلفت دلاور إلي أن السياسة تلعب دورا مهما في نجاح الاندماج العربي ضاربا مثالا علي ذلك بنجاح تجربة مجلس التعاون الخليجي لتشابه الانظمة الحاكمة فيه في توجهاتها بينما لم تحقق تحالفات اقليمية اخري نفس النجاح، كما يؤكد ايضا علي ضرورة العمل علي توحيد التشريعات الاقتصادية بين الدول العربية وهو ما قامت به دول أوروبا علي مدار سنوات طويلة مضت حتي وصلت إلي اجراءات كتوحيد نسبة العجز "3%" وإنشاء البنك المركزي المشترك.