لولا ان الزحام بلغ حداً لا يطاق في مصر قبل سنوات لما تناوله المطرب الشعبي "أحمد عدوية" موضوعا لواحدة من اشهر اغنياته ولكن ماذا لو فكر مطرب اخر الان في تناول مشكلة الاختناق المروري بعد ان ضاقت شوارع القاهرة بما رحبت علي السيارات التي تعج بها الشوارع الجانبية قبل الرئيسية حيث يسير فيها يوميا 5.2 مليون سيارة فضلا عن 500 الف سيارة مقبلة من المحافظات وتتخلل هذه السيارات اعداد غفيرة من المواطنين يبلغ عددهم 17 مليون نسمة بواقع 39 الف مواطن في كل كلم بعد ان ضاقت الارصفة. وللأسف اتجاهات الحكومة وسياستها في علاج ازمة النقل والمواصلات غير واقعية ولم تساعد الا علي زيادة الازمة ففي دراسة حديثة صادرة عن كلية الهندسة جامعة الازهر اشارت الي ان انخفاض مستوي خدمة النقل الجماعي وعدم وجوده في كثير من المناطق وفي توقيتات منتظمة ومتقاربة وهو الذي يدفع الافراد الي استخدام سياراتهم الخاصة التي تحتاج السيارة الواحدة منها الي 20 ضعفا من مساحة ارضية الشارع اذا انتقل راكب السيارة الخاصة بالاوتوبيس خصوصا ان 40% من اصحاب السيارات الخاصة يضطرون الي تملكها واستخدامها لعدم وجود وسيلة نقل مناسبة لرحلة الذهاب الي العمل اليومية كما تقدرالدراسة ان 80% من اصحاب السيارات الخاصة يمكن ان يتوجهوا طوعا لاستخدام النقل الجماعي لرحلة الذهاب الي العمل اليومية علي وجه الخصوص اذا تم توفير نقل جماعي لهؤلاء بمستوي خدمة لائق. ومن المفارقات العجيبة التي تؤكدها الدراسة ان الدولة تدعم السيارات الخاصة بأكثر من 3 مليارات جنيه هو حجم الدعم الذي ينفق علي شراء البنزين بقيمة لا تتجاوز خمس قيمته الحقيقية علي حين ينحصر حجم الدعم الذي تقدمه الدولة الي النقل الجماعي في حدود 287 مليون جنيه تدعم بها هيئة النقل العام لان كل وسائل النقل الجماعي في مصر بما في ذلك المترو والسرفيس واوتوبيسات النقل الجماعي الخاصة تغطي تكاليفها وتحقق ارباحا معقولة. مفارقات وأرقام ومن المفارقات الغريبة ايضا ان التسهيلات والقروض والاستثمارات التي يتم توجيهها لشراء السيارات الخاصة تزيد اضعافا مضاعفة علي التسهيلات والقروض التي تذهب لتمويل شراء الاوتوبيسات وفي عام 2006 بلغ حجم قيمة بيع السيارات في مصر 17 مليار جنيه ذهب معظمها لتمويل شراء اكثر من 132 الف سيارة خاصة مقارنة ب 38 الف اتوبيس وباص وعلي حين يتم تمويل السيارة الخاصة بمعدل فائدة لا يتجاوز ال11% يتم تمويل سيارة الاتوبيس او اي من مركبات النقل الجماعي بمعدل فائدة يزيد علي 13% والغريب انه في حين يدخل كل عام الي العاصمة 100 الف سيارة جديدة فان عدد السيارات القديمة التي تخرج من الخدمة اقل كثيرا. اصبح ازدحام المرور اذن من اهم اسباب ضياع الوقت واهدار الطاقات وتعطيل مصالح الناس ونحن نتساءل الان الي متي سيظل هذا التعطيل المروري في الطرقات ؟... متي سنظل نعتمد علي الآف من عساكر المرور ليفضوا الاختناقات المرورية في الميادين والتقاطعات؟ ان حجم الاهدار في الاوقات واستهلاك الوقود وخسائر النشاط التجاري اضخم واهم بكثير من ايجاد نظام آلي للمرور في مصر. وتناولنا رحلة الخسائر التي يعيشها الشارع المصري منذ الساعات الاولي من الصباح وحتي انتصاف ليل القاهرة سنجد ان فاقد الوقود سنويا من الاختناق المروري والوقوف الطويل في الاشارات يصل الي 35% من حجم الاستهلاك وفقا لاخر تقديرات ذكرت عن دراسة حديثة اجراها معهد بحوث التنمية اما الموظفون وبعيدا عما اذا كان وجودهم مرتبطاً ببطالة مقنعة او ما خلافه -فان التأخير اليومي حتي الوصول الي العمل وانتظار الاتوبيسات يجعل الموظف يصل الي عمله منهكاً جدا ويبدأ العمل بعد الوصول بساعة او اكثر وينخفض تركيزه قبل ان تبدلأ رحلة العودة ليكون اجمالي عدد ساعات عمله ساعتين لليوم اي ان متوسط انتاجية العامل او الموظف علي مدار الشهر لاتجاوز 50 ساعة للقطاع العام وفي ظروف افضل بالنسبة للعاملين في القطاع الخاص لايتجاوز عدد ساعات العمل الفعلية 5 ساعات بمتوسط انتاجية 100 ساعة شهريا علي اعتبار ان عدد ساعات العمل لديهم تكون اكبروفقا لتقديرات تقارير حكومية اما خسائر الاستثمار فلاشك ان هناك تأثيراً مباشراً للازدحام علي القرار الاستثماري للاجانب الوافدين الي مصر ولعلنا جميعا نذكر صفر ملف المونديال حيث كان الازدحام المروري احد الأسباب التي جعلت اللجنة ترفض الملف المصري وإذا كنا نجحنا في استقطاب أموال كثيرة فلنعلم ان هناك ما يماثلها أو يزيد عنها تراجع عن دخول مصر بسبب ذلك أما خسائر التلوث فهي كبيرة جدا فقد أثبت العديد من القياسات في معظم المدن المصرية أن تركيز الملوثات الرئيسية في الهواء يتجاوز معايير منظمة الصحة العالمية وأن هذا التلوث يتسبب سنويا في 3400 وفاة مبكرة و15000 حالة التهاب مزمن وثمانية ملايين نوبة ربو وبناء عليه قدرت الخسائر المادية الناجمة عن التلوث بنحو 1.2 مليار دولار سنويا. الخبراء من جانبهم انتقدوا سياسات الحكومة في معالجة أزمة المرور المتفاقمة واعتبروا أن التوسع في إنشاء الكباري أمر غير واقعي علي الرغم من الفوائد التي تم تحقيقها من خلالها فالأمر لابد أن يعالج بنظرة غير تقليدية. سحب البساط يؤكد الدكتور عبدالحميد رضوان باحث اقتصادي في جامعة القاهرة ان مشكلة الازدحام المروري التي تعاني منها العاصمة الكبري وبدأ ينتقل الي المحافظات مثل الاسكندرية والمنصورة ودمياط وفي الصعيد محافظة اسيوط وهي مناطق استراتيجية ولا ينبغي أن نترك الأزمة تتفاقم وتتسع رقعتها حتي تصل إلي المحافظات فالنقل وجودته من العناصر الأساسية المحددة لأي نشاط تجاري فكثير ما تحدثنا عن حلول علي مدار عقود طويلة ومرور الوقت لا يزيد الموقف الأسوأ في ظل زيادة سكانية مضطردة وسوء خدمة النقل والمواصلات وشراهة البنوك لتكون مصر هي العاصمة الوحيدة في المنطقة التي لا تستخدم اشارات المرور وإذا كنا نعتبرها مكلفة فلابد من النظر بشكل أكثر شمولية علي إهدار الوقت وانخفاض انتاجية العاملين فضلا عن تنفير الاستثمار حيث إن الازدحام من العوامل الطاردة للاستثمار ويخطئ من يعتقد غير ذلك فلك أن تتخيل كما من اجراءات لكثير من الشركات والمؤسسات الاقتصادية يصعب اتمامها وينتج تأخر وخسائر بسبب الوقت الذي تستقطعه علي مدار أوقات العمل في هذه المصالح وكم من الوقود ما يتم حرقه في الوقت الذي تطلب فيه الحكومات ترشيد استهلاك الطاقة ثم نترك الأمر بكل بساطة لعسكري عديم الكفاءة يفعل ما يحلو له في الشوارع والميادين ان ما يحدث في مصر من المفارقات العجيبة التي تحتاج الي اعادة النظر فيها فإذا كان الاصلاح الاقتصادي يسير علي قدم وساق فلابد من اعتبار هذه القضية جزءاً لا يتجزأ من ملامحه فهو عنصر منافسة قد تنجح دول اخري من خلاله في سحب البساط من مصر وبالتالي قد يتأخر جني ثمار الاصلاح الاقتصادي.