قبل ستة عشر عاما وعندما وقع الغزو العراقي للكويت فإن الداعية الإسلامي وجدي غنيم انبري للتعليق علي الغزو في شريط تسجيل تناول فيه الكويت وأميرها وشعبها بعبارات جارحة تحمل قدرا من الشماتة وتحملهم مسئولية ما حدث لهم ويستنكر في الشريط نفسه قيام تحالف لتحرير الكويت.! والشريط مثير للغاية ومليء بالعبارات التي لا يجوز ولا ينبغي صدورها عن داعية إسلامي خاصة وأن المناسبة لم تكن تحتمل كل هذا القدر من التشفي والسخرية. وفي غمرة الأحداث ومع تحرير الكويت وعودة أهلها إليها، ومع توالي السنوات فإن الجميع كانوا علي ما يبدو قد نسوا أو تناسوا أمر هذا الشريط بعد أن قررت الكويت أن تأخذ بمبدأ عفا الله عما سلف وتغاضت عن أخطاء الذين أساءوا إليها وتعاملت معهم أيضا. ولكن لسبب ما لازال مجهولا ظهر هذا الشريط إلي الوجود مرة أخري قبل عدة أسابيع وبدأت الصحافة الكويتية والجماعات السلفية هناك تتحدث عنه وتنشر ما فيه وتطالب مملكة البحرين بإبعاد الشيخ وجدي غنيم الذي كان مقيما فيها منذ خمس سنوات..! ولاعتبارات عديدة فإن البحرين اتخذت قرارا بترحيل الشيخ وجدي غنيم حيث توجه إلي دولة قطر ولم يكن أمامها في الواقع إلا هذا القرار لأسباب عديدة أهمها بلاشك العلاقات الوطيدة بين الكويت والبحرين حيث قامت الكويت طوال العقود الماضية بتنفيذ العديد من المشروعات التعليمية والصحية في مملكة البحرين وأنفق عليها مبالغ طائلة، كما أن الكويت كانت دوما سندا قويا للبحرين في العديد من المناسبات وفي كل المجالات. ولا يمكن للبحرين أيضا بعد الإطلاع علي محتويات هذا الشريط أن توافق علي ما جاء فيه حتي لو كان ذلك قد قيل قبل أعوام طويلة مادامت الدولة المعنية بالأمر لم تصفح ولم تغفر له ما قاله.! غير أن القضية لم تنته عند هذا الحد، فمازالت لها تفاعلاتها وانعكاساتها. فقد أتي إبعاد الشيخ وجدي غنيم ليثير جدالا ونقاشا في الصحف الكويتية والبحرينية علي السواء يقوده عناصر من التيار الإسلامي في البلدين ولكل دوافعه ومنطلقاته. ففي البحرين مازالت الجماعات الأصولية تبدي الأسف علي ابعاد الشيخ غنيم وتطالب الكويت بالصفح عما مضي والعفو عنه خاصة وان الشيخ غنيم كرر في العديد من المناسبات اعتذاره لشعب الكويت وحكومتها عن كل ما قاله. وفي الكويت ورغم أن هناك تشددا كبيرا بين صفوف القيادات الليبرالية في التأكيد علي ملاحقة كل من أساءوا إلي الكويت فإن هناك أيضا بعض الشخصيات الإسلامية الكويتية التي نشرت مقالات في العديد من الصحف الخليجية تدعو إلي العفو والتسامح عند المقدرة. وفي الحقيقة فإن هذه القضية ما كان يمكن لها أن تأخذ كل هذه الأبعاد لو لم يكن الشيخ وجدي غنيم نفسه شخصية مثيرة للجدل. فالشيخ المصري الذي استقر في البحرين منذ خمس سنوات بعد ابعاده من الولاياتالمتحدةالأمريكية كانت له أيضا معاركه الخاصة التي وصلت إلي المحاكم في آلبحرين، وهناك حاليا قضية معروضة علي القضاء رفعها الشيخ نفسه ضد صحيفة "الأيام" البحرينية الليبرالية يتهمها بالإساءة إليه ونقل معلومات غير صحيحة عنه. فقد سبق للصحيفة ان تحدثت عن نشاط للشيخ وجدي غنيم في المجتمع البحريني اعتبرته تحريضا علي التشدد وتهديدا لسلامة المجتمع ودعوة للفتنة، وعززت هذه الاتهامات بعدد من الوقائع والأحداث التي يؤكد الشيخ انها غير صحيحة أو منسوبة إليه. كما أن الشيخ غنيم لفت إليه الأنظار أيضا بشدة عندما شارك في الشأن الداخلي البحريني لصالح الشخصيات المنتمية إلي التيارات الإسلامية والتي خاضت المعركة الانتخابية النيابية الأخيرة حيث كان ضيفا دائما ومتحدثا في الخيم الانتخابية مطالبا الناخبين بالتصويت لهم ومؤكدا علي أحقيتهم بالفوز في مواجهة المرشحين الآخرين الذين استاءوا كثيرا من تدخله في هذه الانتخابات وعبروا عن ضيقهم من موقفه في الصحافة البحرينية، وهو ما دعا صحيفة "الأيام" البحرينية إلي أن تتخذه هدفا دائما لها وتتعقب مشوار حياته ومشاكله العديدة في كل البلاد سواء في مصر أو في أمريكا وتنشر له العديد من أقواله وخطبه وتصريحاته شكل يثير حوله الكثير من التساؤلات ويضعه في موقف الدفاع عن نفسه وعن آرائه السابقة. والشيخ الذي دخل بقوة أعماق المجتمع البحريني وارتدي الزي الخليجي وحظي بدعم ورعاية بعض الجمعيات الاسلامية في كان مرشحا أيضا كما قال للحصول علي الجنسية البحرينية لولا ظهور هذا الشريط الذي قضي تقريبا علي آماله في أن يكون مواطنا بحرينيا، وعليه الآن أن يبذل جهدا مضاعفا في قطر ليمحو من الذاكرة ما قاله في حق الكويتين عل وعسي أن يأتيه حبل الانقاذ من داخل الكويت نفسها بأن تتزايد الأصوات الداعية إلي الصفح عنه، وإن كان ذلك صعبا ومستبعدا في الوقت الراهن، فالجني الذي أخرج هذا الشريط من العدم بعد أن نسيه الجميع مازال ينفخ في النار في كل مكان ليزيدها اشتعالا ضد الشيخ ولم يتعب بعد..!