كانت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل جريئة في مراهناتها وبدا خلال مفاوضاتها لعدة ساعات خلال القمة الأوروبية أنها تجازف بالكثير. ولم يسبق ان نجح مستشار ألماني سابق في ممارسة هذه الضغوط علي بولندا أثناء القمة. وخلال هذه الساعات الطوال من المفاوضات في مقر المجلس الأوروبي في بروكسل الذي يذكر بأحد القلاع الحصينة لاحت ملامح. فشل وشقاق أوروبي وأزمة مع الجارة بولندا بعد ان طفت حساسيات الماضي علي سطح الحاضر. وأخيرا ظهرت ميركل امام عدسات الكاميرات المترقبة لنتائج هذا الماراثون من المفاوضات التي تواصلت علي مدي عشرين ساعة. ولكن بدت علامات التعب والارهاق المضني وانعكس ذلك في إحمرار عينيها. ولكن بدت عليها ايضا علامات الرضا. ولقد كان لهذا الرضا ما يبرره.. ألم تتوصل ميركل خلال هذه القمة التي ترأستها للمرة الثانية عن بلادها. إلي هدفها الاقصي الذي حددته لنفسها ألا وهو تحديد خارطة طريق لإنهاء عملية إصلاح الاتحاد الأوروبي؟ ألم تتوصل إلي تحديد المحاور الرئيسية التي تقوم عليها الاتفاقية الجديدة للدستور الأوروبي؟ أما البقعة السوداء في عباءتها الناصعة في هذه القمة فهي إرجاء اعتماد قواعد الأغلبية الجديدة في تمرير قرارات الاتحاد الأوروبي إلي عام 2017 أي بعد اربع سنوات من الموعد الذي كانت تخطط له ميركل وذلك في تنازل منها تجاه الجارة العنيدة بولندا، وعن ذلك قالت ميركل: لم يكن من الممكن فعل شيء آخر. لم تكد القمة تنتهي علي المستوي الرسمي حتي بدأت التساؤلات عن صاحب الفضل في تحقيق هذا التحول المفاجيء في مسار القمة التي بدت متعثرة في كثير من ساعات التفاوض. هل كانت الطلقة التحذيرية التي اطلقتها ميركل بتهديدها بتحديد تفويض للمؤتمر الحكومي الأوروبي بدون موافقة بولندا هي السبب وراء هذا التحول؟ أم أنها كانت متسرعة بشكل مبالغ فيه؟ هل أخذ آخرون من بين رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي دفة الأمور من رئيسة المجلس الأوروبي ميركل؟ أم ان ميركل قامت بدورها علي أكمل وجه؟ تحدثت ميركل مع الرئيس البولندي ليخ كاتشينسكي ست مرات تارة علي انفراد وتارة أخري في وجود آخرين. وبدا الأمر في لحظة ما وكأنه من الممكن إزالة الخلافات بشأن شكل الأغلبية التي يريد الأوروبيون الاتفاق عليها لتمرير قرارات الاتحاد. ولكن سرعان ما علمت ميركل ان كاتشينسكي لا يمتلك تفويضا كاملا للتفاوض باسم بلاده حيث قبع شقيقه التوأم ياروسلاف في وارسو ليتابع مجريات المفاوضات وبدا في التليفزيون البولندي علي أنه صاحب الخط المتشدد مهددا باستخدام حق الاعتراض "الفيتو" في حالة عدم نزول الاتحاد علي رغبات بلاده. لكن ميركل تعاملت مع ذلك علي الفور ووضعت ما يمكن تسميته بأشارة توقف اجباري حسبما أفاد بعض مستشاريها بعد القمة حيث أمرت بتوزيع بيان مثير علي المشاركين مؤداه ان رئاسة الاتحاد الأوروبي ربما اضطرت عند الضرورة إلي انتزاع تفويض بعقد مؤتمر إصلاح للاتحاد الأوروبي في الخريف المقبل دون الحصول علي الموافقة البولندية.