تمكنت شركة سوخوي الروسية المصنعة للطائرات المقاتلة من إحراز نصر في معرض باريس للطيران الذي أقيم منذ أسبوعين بعد أن اصطفت مجموعات من المشترين الأجانب خلف طائراتها السوبر جيت 100 أول طائرة روسية مدنية منذ انهيار الاتحاد السوفييتي ومشروع الطائرة السوبر جيت الذي تقدر تكلفته بنحو 800 مليون دولار ليس مجرد مقامرة تجارية بل يعتبر اختبارا صعبا لسياسة الكرملين الصناعية الجديدة التي تدمج ما بين الملكية الحكومية والتكنولوجيا الأجنبية وجموع المستثمرين في مسعي لإنعاش الصناعة الثقيلة في الدولة. وكما ورد في صحيفة ''وول ستريت" فإن نجاح هذه السياسة بات يعتبر أمراً حاسماً للمساعي التي يبذلها الكرملين لتنويع اقتصاده بعيدا عن النفط والغاز وإعادة الحياة إلي الصناعات التي تدهورت أثناء فترة الانتقال من الشيوعية إلي اقتصاد السوق. والي جانب قطاع الطيران فقد عمدت الدولة مؤخراً إلي إعادة تشكيل صناعات بناء السفن والصناعة النووية وتكنولوجيا الفضاء بالإضافة إلي الصناعات العسكرية وفقاً للسياسة المعتمدة مؤخراً. وكانت العديد من هذه الصناعات قد تمت خصخصتها بشكل جزئي فقط إبان حقبة التسعينيات الا ان الشركات استمرت تناضل بحثاً عن الدعم والإسناد* اما الآن فقد اتجهت الحكومة الي ادماج هذه الموجودات في شركات كبيرة قابضة يشير المسؤولون الي انها ستؤدي الي ترقية وتحسين الجودة واستحداث كيانات أكثر قدرة علي المنافسة العالمية* أما بالنسبة لصناعة الطيران التي تم دمجها في مؤسسة يونايتد ايركرافت التي تتملك فيها الدولة حصة غالية بمعدل 90,1 في المئة فقد تعهدت الحكومة بضخ مبلغ 12 مليار دولار من المساعدات في خزائن الشركة خلال العقد المقبل. وقال ميخائيل بوجوسيان، المدير الإداري لشركة سوخوي وأول نائب لرئيس الشركة الجديدة القابضة يونايتد ايركرافت: ''نحتاج الي توحيد جميع مواردنا من أجل تحقيق النجاح في السوق العالمي''* وأصبحت الطائرة السوبر جيت تمثل اختباراً حقيقياً للمدي الذي سوف تتمكن فيه العملاقة الجديدة في مجال الفضاء في أن تفرز منتجات حديثة وعصرية تتلقي جذباً من خارج الحدود الروسية لكن فيكتور سابوتين رئيس إدارة الطائرات المدنية في شركة سوخوي مضي يشيد بصفقة شراء الطائرات العشر التي حققتها الشركة الجديدة بقيمة 283 مليون دولار لصالح شركة ''ايتالي ايرلاينز'' الإيطالية الصغيرة بعد أن اعتبرها بمثابة اختراق رئيسي مهم** وذكر جيوسيبي سباداسيني رئيس مجموعة ايروسيرفيسيز جروب التي تمتلك شركة ايتالي ايرلاينز ان الشركة اقدمت علي شراء 10 طائرات بنسبة قلة التكلفة وانها تنوي شراء عدد 15 طائرة في موعد لاحق* أما الطلبيات الأخري الوحيدة علي الطائرات فقد جاءت من شركات جوية روسية لديها ارتباطات وثيقة مع الحكومة* وبات من المنتظر ان تدخل الطائرات في مرحلة الإنتاج ابتداء من العام المقبل بينما تخطط شركة يونايتد ايركرافت لبيع 1200 طائرة من طراز السوبر جيت خلال فترة العشرين عاماً المقبلة بسعر 25 مليون دولار لكل طائرة* وسوف تحتوي الطائرة بشكل مبدئي علي عدد يتراوح ما بين 75 و90 مقعداً بحيث تنافس بشكل حصري في سوق الطائرات الإقليمية ضد منافسين راسخين في المجال من أمثال مؤسسة بومباردير الكندية وشركة امبريسا برازيليرا دي ايرونوتيكا البرازيلية* وقد اتجهت شركة سوخوي نحو مجموعة من الشركاء الأجانب طلبا للمساعدة في مجال التكنولوجيا لتنفيذ المشروع علي أمل أن توفر تجربتهم المساعدة في اجتذاب الطلب المتنامي من شركات الخطوط الجوية الأجنبية وتهدئة المخاوف من فقدانها للتجربة اللازمة في سوق الطيران المدني* ويذكر ان سوخوي اكتسبت سمعة جيدة إبان فترة الحرب الباردة كأفضل شركة سوفييتية تصنع الطائرات المقاتلة مثل طائرة الميج* ولم يصاحب الحماس الذي يبديه الكرملين بشأن استحداث عملاق صناعي حتي الآن سجلات تحتوي علي تحقيق انتصارات في مجال التصنيع والبناء* وكان فلاديمير بوتانين، رجل الصناعة الروسي البارز، قد فاجأ الحاضرين في مؤتمر للاستثمار عقد في الأسبوع الماضي عندما اشتكي من أن التدخل الحكومي في الصناعة الروسية استمر يحقق اضراراً بالجودة والنوعية* وفي العام الماضي خلص تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلي أن الحكومة الروسية لديها ''سجل ضعيف'' كمالك للشركات وأنها ظلت تميل إلي تقليل الجودة والكفاءة ونشر الفساد وإبطاء عجلة النمو* وعلي كل فإن المسؤولين الروس بدأوا يشيرون بأصابعهم إلي عمالقة الصناعة من الأوروبيين والآسيويين كنماذج ناجحة يمكن اقتفاء إثرها في تأسيس الشركات القابضة الجديدة* وفي حالة شركة يونايتد ايركرافت فقد حرص الكرملين علي إرساء المزيد من أسس التعاون مع مجموعة ايادس الأوروبية العملاقة المالكة لشركة ايرباص إلا انه وعندما نجح أحد البنوك الروسية الحكومية في شراء حصة 5 في المئة في مجموعة ايادس في الصيف الماضي وأبدي اهتماماً بشراء حصة أكبر في المجموعة سرعان ما أبدي الزعماء الأوروبيون شعوراً يتسم بالبرودة حيال العروض التي تقدمت بها موسكو. وفي الوقت الذي يصر فيه المسؤولون في شركة ايرباص علي أنهم حريصون علي التعاون مع شركة يونايتد ايركرافت في مشاريع مثل تحويل طائرات ايرباص القديمة إلي طائرات شحن أو تطوير طائرات جديدة إلا أن المسؤولين الروس يرغبون من جانبهم أن يصبحوا شركاء علي قدم المساواة وهددوا بالتخلي عن حصتهم في مجموعة ايادس بمجرد عدم الاتفاق علي صفقات بالطريقة التي يرغبونها* وكما يقول أحد المسؤولين في صناعة الطائرات الروسية: ''انها نوع من الابتزاز حيث ما زالت روسيا تحاول الوصول إلي صفقة لكن المفاوضات لا تزال في مفترق طرق''*