منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية اهتم المجتمع الدولي بمشاكل التنمية وقد انعكس ذلك علي أحكام ميثاق الأممالمتحدة الذي ركز اهتمامه الأول علي استتباب السلام والأمن الدوليين وانقاذ البشرية من ويلات الحروب كما اعتبر رفع مستويات المعيشة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لجميع الشعوب من أسباب استقرار السلام لذلك كان من أهداف الأممالمتحدة ارساء التعاون الدولي لحل المشاكل ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومع إنشاء البنك الدولي للتعمير والتنمية وصندوق النقد الدولي وفقا لاتفاقيات بريتون وودز منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ارتفعت مستويات المعيشة في الدول المتقدمة باطراد أما الدول النامية فلم تحظ بالتقدم المنشود. وقد انعقد أول مؤتمر للأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTAD في جنيف عام 1964 برئاسة مصر وقد تحول ذلك المؤتمر كتنظيم دولي ضمن منظومة الأممالمتحدة منذ ذلك الحين كآلية دولية لمراعاة الأبعاد المالية والتجارية ونقل التكنولوجيا في عملية التنمية بما في ذلك العمل علي استقرار أسعار السلع الأولية واعتبرت الدول النامية الانكتاد بديلا عن الفشل في انشاء منظمة التجارة الدولية التي أوصي مؤتمر هافانا لعام 1947 بانشائها ولكن مجلس الشيوخ الأمريكي اجهضها برفضه التصديق علي اتفاقية انشائها وحلت محلها الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة Gatt وما فتئت جولات زيادة تحرير التجارة الدولية وآخرها جولة أوروجواي أن أسفرت عن تحويل الجات إلي منظمة دولية هي المنظمة العالمية للتجارة التي دخلت اتفاقية انشائها حيز النفاذ في أول عام 1995 وهكذا أضيف ضلع ثالث لبنيان العولمة الذي أصبح يتشكل من الثلاثي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمنظمة العالمية للتجارة. ويلزم التذكير بأن جميع جولات الحوار بين الشمال والجنوب وخاصة مؤتمر التعاون الاقتصادي في باريس 1976 وكانكون 1980 قد فشلت في ايجاد الحلول الكفيلة بتسوية مشاكل الدول النامية. وما فتئت الهوة تتسع بين الدول المتقدمة والدول النامية فبعد أن كانت الفجوة في متوسط دخل الفرد في السنة في الستينيات من القرن العشرين 1:16 إذا بها تتسع مع بداية القرن الحادي والعشرين لتصير 1:85 أي أن الهوة اتسعت لما يزيد علي خمسة أضعاف خلال أربعة عقود بينما كان الهدف من التعاون الدولي من أجل التنمية هو تضييق تلك الهوة. فلابد إذن من استقصاء أثر العولمة بعد أن اكتملت اضلاعها منذ تسعينيات القرن العشرين علي جهود التنمية لمواجهة التحديات الجديدة التي اعترضتها. أولا: مواجهة التحديات وإزاء تحديات التنمية بعد استفحال آثار العولمة اضافة الي تحديات السلام والأمن الدوليين عقدت الأممالمتحدة قمة للجمعية العامة في نيويورك في سبتمبر 2000 اعتمدت في نهايتها الأهداف الانمائية للألفية اضافة الي اعلان الألفية وحددت القمة اطارا زمنيا لتحقيقها مع حلول عام 2015. وتراوحت الأهداف الثمانية للتنمية بين خفض الفقر المدقع إلي النصف وإلزامية التعليم الابتدائي للجميع والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة وخفض الوفيات بين الأطفال تحت سن الخامسة إلي الثلثين وتحسين صحة الأمهات وخفض معدل الوفيات بينهن ومكافحة أمراض الايدز والدرن والملاريا وخفض الإصابة بتلك الأمراض إلي النصف وتحقيق التنمية المستدامة بيئيا ومنها خفض نسبة المحرومين من المياه الصالحة للشرب إلي النصف وتحسين الظروف المعيشية لمائة مليون من سكان العشوائيات مع حلول عام 2020. وأعطت قمة الألفية أهمية للإطار المؤسسي للأنظمة المالية والتجارية السائدة باستلزام أن تكون غير تمييزية وطالبت بضرورة التزام تلك الأنظمة بتحقيق التنمية وخفض مستويات الفقر علي المستويين الوطني والدولي والوفاء باحتياجات الدول الأقل نموا بما في ذلك إزالة العوائق التجارية من التعريفات الجمركية والقيود الكمية أمام نفاذ صادراتها للأسواق الدولية، وخفض مديونياتها وزيادة المساعدات الرسمية للتنمية لتخفيف حدة الفقر ومواجهة مشاكل عبء مديونية باقي الدول النامية من خلال إجراءات وطنية ودولية وزيادة فرص تشغيل الشباب والمطالبة بتعاون شركات الأدوية لتوفير الأدوية اللازمة لشعوب الدول النامية بأسعار مخفضة والتعاون مع القطاع الخاص لاستخدام التكنولوجيا الحديثة في مجالي الاتصالات والمعلومات.