"لا حصانة لأي أحد له علاقة بإطلاق الصواريخ" هذا ما أعلنه إيهود أولمرت رئيس وزراء إسرائيل في الاجتماع الوزاري المصغر الذي عقده يوم الأحد قبل الماضي متوعداً قادة حماس أو أي كوادر من المقاومة إذا استمر اطلاق الصواريخ علي البلدات الإسرائيلية وبصفة خاصة مستوطنة سيديروت وذلك بعد سقوط قتيلين وإصابة العديد من المستوطنين، وقد سبق بالفعل وهدد باغتيال هنية ومشعل منذ أيام. ورغم شراسة وخسة العدوان الإسرائيلي الحالي علي غزة من اجتياحات واغتيالات وخطف وقصف جوي واغلاق للمعابر، وما يلاقيه الفلسطينيون من أهوال ودمار علي أيدي الآلة العسكرية الإسرائيلية إلا أن استمرار اطلاق الصواريخ علي "سيدروت" يمثل مأزقا سياسيا وعسكريا لحكومة أولمرت ويهدد فرص بقاءه في الحكومة إذا فشل في إيقاف صواريخ المقاومة. ورغم أن العدوان الأخير علي غزة بدا وكأنه انتهاز إسرائيل لفرصة الاقتتال الداخلي بين الإخوة الأعداء في فلسطين بين "فتح" و"حماس"، للانقضاض علي الفلسطينيين المنهكين من الصراعات الداخلية والحصار الخارجي، إلا أنه من المؤكد ان كانت هناك خطة عسكرية معدة لإعادة اجتياح القطاع والعدوان عليه تهدف بالأساس إلي القضاء علي حماس واجتثاث البنية الأساسية لمنصات وقواعد اطلاق الصواريخ والمنشآت الصناعية والصواريخ المحمولة علي شحنات، وهو ما يعني أن الهجوم الإسرائيلي لن يكن موقفا تم جرها إليه بسبب تردي الأوضاع الأمنية في غزة وضعف السلطة الوطنية بل كانت هناك خطة موضوعة مسبقا تم اختيار الفرصة المناسبة لتنفيذها. إذاً الحجة المبررة لإسرائيل لضرب غزة هي وقف اطلاق صواريخ القسام علي مستوطنة سيديروت ولكن الهدف الحقيقي الذي تسعي إليه هو اضعاف حماس واسقاطها حتي يتمكن الرئيس محمود عباس من تحقيق الاستحقاقات التي تطالب بها الرباعية وسط دعم لعباس وقواته عبر عنه شيمون بيريز بقوله إن إسرائيل تؤيده ومستعدة لتقديم أي دعم له، بينما الحقيقة المؤكدة أن إسرائيل تسعي إلي استبعاد أي شريك فلسطيني بما فيهم عباس نفسه والالتفاف علي ذلك بالتفاوض مع الرباعية العربية. إن نجاح المقاومة في اطلاق الصواريخ علي المستوطنات الإسرائيلية رغم صعوبة المهمة أصبح يمثل كابوسا لساسة إسرائيل ويقض مضاجعهم حتي ان عددا من هذه الصواريخ سقط علي مستوطنة "سيديروت" خلال زيارة أولمرت لطمأنة سكانها مما دعاه وعدداً من حراسه إلي الاختباء تحت سطح أحد المنازل بعدما دوت أصوات صفارات الإنذار في المدينة، وكالعادة أشاد الرئيس الأمريكي جورج بوش بالموقف الإسرائيلي وأعلن "اننا نتفهم الرعب الذي يمكن ان يعتريك عندما يتملكك القلق من صاروخ يسقط علي سطح منزلك"!! ولم ينس أن يدعو الطرفين إلي العمل من أجل التوصل إلي حل يقوم علي الدولتين، وبالتأكيد ينسي بوش أو يتناسي أن أول من يعطل التوصل إلي اتفاق نهائي هو إدارته والحكومة الإسرائيلية. والمثير للدهشة والاستنكار اننا لم نسمع خلال العدوان الأخير علي غزة أي نوع من التدخل من المجتمع الدولي ولا اللجنة الرباعية ولا الأممالمتحدة ولا العرب من أجل وقف التصعيد الإسرائيلي، ربما لأن المشهد أصبح مكررا مملا فلم يعد يثير الإدانة أو الاستهجان أو حتي الشفقة، وأصبح العرب مغيبين بشكل كامل عن القضية الفلسطينية سواء برضاهم أو رغما عنهم وأصبح كل يغني علي ليلاه "أي مصالحه" وسط الهم الكبير الذي نعيش فيه اليوم والمسمي الشرق الأوسط. الحكومة الفلسطينية عرضت من جانبها تهدئة شاملة ومتبادلة بجدول زمني بين الطرفين في محاولة منها إلي تخفيف التوتر عن الفلسطينيين، إلا أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية ردت برفض حكومتها وقف اطلاق النار في إشارة إلي تصميم الكيان الصهيوني إلي جر المنطقة لمزيد من التوتر، وهذه النية كشفت عنها صحيفة "يديعوت احرونوت" باستعداد الجيش لإقامة منطقة أمنية شمال غزة. وبالفعل قامت إسرائيل بتوسيع عملياتها البرية بعد سقوط قتلي من المستوطنين وقد أثار مقتل أول سيدة في المستوطنة الرعب في نفوس السكان بينما كانوا يتابعون الحادث عبر التليفزيون علي الهواء مباشرة مما اضطر المسئولين إلي وقف إذاعته، وجعل ذلك السكان يتظاهرون ضد أولمرت ورئيس البلدية وتم مصادرة عدد من صناديق الطماطم التي كان المحتجون يستعدون لاطلاقها علي أولمرت عندما انتشرت شائعة بأنه في طريقه إلي المدينة. ومع تزايد القتلي الإسرائيليين تصبح "سيدروت" هما سياسيا وعسكريا بل وانتخابيا أيضا للساسة الإسرائيليين، فقد زارها بنيامين نتنياهو اليميني المتشدد وطالب الحكومة بحماية البلدة واجلاء مواطنيها، والمعروف أن الكثير من سكان البلدة غادروها منذ فترة إلي إيلات أو إلي فنادق استأجرها لهم رجل الأعمال اليهودي من أصل روسي اركادي جايداماك لتسكينهم مجانا، كما تبرع بأموال ضخمة للسكان ووعدهم بتصفيح منازلهم إذا وافقت البلدية علي ذلك. زيارة جايداماك للبلدة أثارت حفيظة أولمرت نظرا للحفاوة البالغة التي يستقبل بها وللجهود التي يبذلها من أجل تسكين السكان وإنشاء خيام مجهزة للإقامة المؤقتة، وتأتي معارضة أولمرت لجهود جايداماك لانها تظهر عجز الحكومة عن تأمين سكان البلدة وتوفير المساكن البديلة لهم بعد فشلها في وقف الصواريخ، ومما يزيد من صعوبة موقف أولمرت هو معارضة المرشحين الرئيسيين لزعامة حزب العمل إيهود باراك وعامي ايالدن لسياسات أولمرت ومطالبتهما له بالاستقالة لدوره في فشل الحرب علي لبنان الصيف الماضي، وهذه الأصوات المعارضة تمثل ضغطا علي أولمرت وتدفعه لاتخاذ مواقف أكثر عدوانية وتشددا في غزة وهو ما بدأت بوادره تظهر بالفعل. إن "الرعب" الذي يجتاح الإسرائيليين من صواريخ القسام وتصوير إسرائيل لنفسها بأنها الضحية التي يفتك بها القتلة الفلسطينيون لهو نوع من النصب السياسي والعسكري طالما اعتادته إسرائيل وبرعت فيه وأثبتت مهارتها به دوما، لأن الذي يحدث في سيدروت لا يمكن مقارنته بأي حال من الأحوال بالمذابح التي ارتكبتها الدولة الصهيونية في الشاطئ وبيت حانون وجنين علي سبيل المثال لا الحصر وما ترتكبه في غزة حاليا، ولا يمكن لنا أن نصدق أن إسرائيل التي تقتل وتشرد وتحاصر الشعب الفلسطيني الباسل، والتي تستبيح ماله وروحه وعرضه وارضه علي مرأي ومسمع من العالم كله، تحس بالرعب والفزع وتختبئ اسفل النازل وتتوعد بالانتقام لمجرد اسقاط صاروخ من المقاومة تم اطلاقه للدفاع عن الوطن وان ذلك لأشبه بالمهزلة أو النكتة الشائعة التي تقول بأن النملة من الممكن أن تشبع الفيل ضربا فتهزمه ثم تسقطه علي الأرض ثم تجلس فوقه مستمتعة بلذة الانتقام.