اشتهرت الصين طويلا بأنها مصنع العالم وها هي أخيرا تحصل علي لقب جديد: مصرفي أمريكا.. ومادامت الصين مستمرة في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية وزيادة صادراتها فسوف تزيد ما تكتنزه من احتياطيات بالنقد الأجنبي خاصة الأصول ذات الطبيعة الدولارية. وتقول مجلة "فورتشن" إن البنك المركزي الصيني فاجأ العالم في ابريل الماضي بالإعلان رسميا عن زيادة احتياطياته بالعملة الأجنبية خلال الأشهر الثلاثة الأولي من العام الحالي بمقدار 136 مليار دولار أي أكثر من ضعف الزيادة التي تحققت في الربع الأخير من عام 2006. وذكرت أرقام البنك المركزي أن احتياطيات الصين صارت 1.2 تريليون دولار وهي أكبر احتياطيات من نوعها لدي أي دولة من دول العالم.. وهي ناجمة عن جهود الصين من أجل زيادة الصادرات عن طريق تثبيت قيمة عملتها "اليوان" أمام الدولار.. فالبنك المركزي لكي يمنع قيمة اليوان من التزايد يشتري كل الدولارات التي يحضرها المستثمرون الأجانب أو التي يحصل عليها المصدرون الصينيون ثم يصدر سندات لامتصاص اليوان الذي استخدمه في شراء الدولارات لكي يحول دون حدوث تضخم منفلت. والأمر المؤكد أن هذه ترتيبات معقدة وأن خبيئة الصين قد زادت علي الحد. وهنا يقول جيمس مكورماك المحلل في وكالة الائتمان فيتش ريتنجز طبقا لحساباته في اَخر عام 2006 إن احتياطيات الصين من النقد الأجنبي تساوي 9 أمثال ما عليها من ديون قصيرة الأجل كما أنها تغطي 14 شهرا من الواردات وهي أيضا تزيد كثيرا جدا علي القروض المتعثرة والمعدومة التي تتحملها البنوك الصينية. ولاشك أن إدارة هذا الجبل من الأموال يسبب صداعا للعديد من الأطراف.. فالمدونون في الانترنت يتساءلون لماذا لا تستخدم الحكومة الصينية هذه الاحتياطيات في بناء المدارس والمستشفيات بدلا من مساندة الدولار الأمريكي؟ أما صناع السياسة في بكين فقد أبدوا قلقهم أخيرا من انخفاض العوائد علي هذه الاحتياطيات، لذلك أعلن وزير المالية الصيني جين رينكوينج في مارس الماضي إنشاء صندوق استثمار جديد لإدارة هذه الاحتياطيات يقوده لو جيواي نائب وزير المالية، سابقا ولكنه لم يقدم أية تفاصيل أخري ولم يذكر حتي كمية الأصول التي ستودع في هذا الصندوق لإدارتها. والحقيقة أن الإعلان عن هذا الصندوق أثار الرعب والتوجس في كل الأسواق المالية فهذا الصندوق كما يقول ستيفن جرين الاقتصادي في بنك ستاندارد تشارترد أشبه بسمكة جديدة نزلت الماء ولكن لا أحد يعرف طبيعتها وهل هي سمكة مسالمة أم سمكة قرش؟! كذلك فإن الصندوق الصيني الجديد سيكون كبيرا بدرجة تمكنه من تحريك الأسواق المالية وربما تفجيرها كلية وأن ذلك يمكن أن يحدث من خلال زر صغير يلمسه أصبع موظف بيروقراطي! وفي تقارير الصحافة الصينية يقال إن الصندوق سيكون أشبه بهيئة تيمازيك الذراع الاستثمارية لحكومة سنغافورة وسيوضع فيه مبلغ لا تتجاوز قيمته ال 300 مليار دولار وهو بذلك يماثل 3 أضعاف قيمة تيمازيك و10 أضعاف ما لدي أكبر صندوق تحوط عالمي من أرصدة.. كما أن هذا المبلغ يمكن الصندوق من شراء شركة بحجم وول مارت ويتبقي له ما يمكنه أيضا من شراء جنرال موتورز وفورد معا. ويتوقع محللون كثيرون أن مهمة الصندوق ستكون التخفف من الأصول الدولارية ذات العائد الضعيف خاصة سندات الخزانة الأمريكية.. وتقدر وكالة فيتش أن الصين في نهاية 2006 كانت لديها أوراق خزانة أمريكية قيمتها 350 مليار دولار إلي جانب ما قيمته 230 مليار دولار أخري من سندات الوكالة التي تدعمها الحكومة الأمريكية مثل فريدي ماك وفاني ماي.. وهناك فوق ذلك من يتوقع أن يمول الصندوق صفقات الاستحواذ التي تسعي الشركات الصينية لإبرامها في الخارج لضمان احتياجات الصين الاستراتيجية من البترول والغاز والفحم وغيرها من المواد الخام المهمة.. ولكن أرثر كرويبر المحرر في مجلة "تشاينا إيكونوميك" ربع السنوية يري أن هذا الصندوق الحكومي لن تكون حركته ميسرة وسيواجه العقبات أينما توجه. ويخشي بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي من أن تستغل الصين وضعها كأكبر مشتر لسندات الخزانة الأمريكية من أجل كسب ميزات تجارية أو ميزات في قضايا السياسة الخارجية موضع الاختلاف مع واشنطن.. ولكن أية محاولة للتصرف في هذه الاحتياطيات علي نحو يضر بمعدل النمو الاقتصادي للولايات المتحدة سوف تصيب الصين أيضا بالضرر لأن الولاياتالمتحدة هي المستهلك الأول للصادرات الصينية. عموما فإن رئيس الوزراء الصيني وين جياباو حاول في مؤتمره الصحفي السنوي في مارس الماضي أن يطمئن المتوجسين فاعترف بأن احتياطيات الصين من العملة الأجنبية صارت مشكلة وأن الصين ستحاول التصرف في هذه المشكلة عن طريق صندوق الاستثمار الجديد ولكن بشرط ألا تسبب ضررا لأي طرف وأن ذلك لن يؤثر أيضا علي مقتنيات الصين من الأصول الدولارية. بقي أن نقول إن جبل الاحتياطيات الصينية لن يتوقف عن النمو وإن تونج داو الاقتصادي في بنك كريديت سويس يتوقع له أن يصل إلي تريليوني دولار بنهاية العام القادم.