بقلم :سعد هجرس .. وأخيراً.. انتهت حياة وولفويتز السياسية وقرر تقديم استقالته كعاشر رئيس للبنك الدولي، والرحيل عن هذا المنصب المرموق يوم 30 يونية القادم . وقد وافق مجلس إدارة البنك علي قبول هذه الاستقالة، كحل وسط يوفر ل" وولفويتز" إنقاذ ماء وجهه دون تبرئته تماما من تهمة "تضارب المصالح" واستغلال النفوذ والمحسوبية. اي ان كل طرف من الطرفين حصل علي شئ: مجلس الإدارة حصل علي مراده.. الا وهو رحيل الرئيس غير المرغوب فيه، وولفوتيز سيرحل دون توجيه اتهامات مهينة له تكون بمثابة وصمة عار في نهاية سجله في العمل العام. لكن الأهم من هذا البعد الذاتي في عملية "اجبار" وولفويتز علي الاستقالة من رئاسة البنك الدولي، هو ان هذه المعركة لفتت الأنظار إلي عدد من القضايا الأهم المتعلقة بهذه المؤسسة الدولية الكبيرة. القضية الأولي: هي ان أنصار وولفويتز حاولوا استغلال الأزمة وتصويرها كما لو كانت مؤامرة من الموظفين البيروقراطيين الفاسدين في البنك الدولي الذين جاء وولفويتز حاملاً لواء حملة "تطهير" لهم. ورغم الترويج الشديد لهذا التبرير فان التحقيقات التي أجراها وولفويتز - منذ توليه رئاسة البنك في يونيه 2005- لم يسفر سوي عن الكشف عن عشر حالات رشوة عام 2005 وعشر حالات مماثلة عام 2006 من بين عشرة آلاف موظف يعملون بالبنك. القضية الثانية هي ترويج البعض لتبرير آخر هو ان "البنك الدولي لا يستحق الإنقاذ"، لأن 90% من قروضه تذهب الي 27 دولة فقط من الدول متوسطة الدخل ، أي انها دول تستطيع تدبير احتياجاتها من أسواق المال الخاص. وثبت أيضا ان هذا التبرير غير صحيح من حيث المعلومات، أضف الي ذلك أن أسواق المال الخاصة لا يمكن ان تكون أداة مناسبة او كافية لتمويل مشروعات مثل تلك التي يحتاجها العالم لمواجهة التدهور المناخي نتيجة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، كما لا يمكن ان تكون اداة مناسبة او كافية في أوقات مواجهة الكوارث والأزمات. اي ان البنك رغم وقوعه تحت سيطرة الدول الأكثر غني، وبالذات أمريكا ، مازال له دور تحتاجه كثير من الدول الفقيرة. وهو دور يقتضي إصلاح أوضاع البنك وتحريره من سيطرة الأجندة الأمريكية. فهذا البنك التي تأسس عام 1944 كان - ولايزال- هدفه خفض الفقر في عالم يعيش فيه ما لا يقل عن مليار شخص يعيشون تحت خط الفقر! وقدم منذ تأسيسه قروضا وهبات بلغت 161 مليار دولار ، بمعدل يتراوح ما بين 7 و 9 ملايين دولار سنويا، ذهب حوالي 50% منها لأفريقيا. القضية الثالثة- ترتبط بإصلاح آلية تعيين رئيسه، حيث توجد قاعدة غير مكتوبة تختار بموجبها الولاياتالمتحدة رئيس البنك الدولي بينما تختار الدول الأوروبية رئيس صندوق النقد الدولي . وكما تقول بيرنيس رومبرو من منظمة "اوكسفام" فان هذه الترتيبات غير عادلة ويجب إلغاؤها. وها نحن رأينا ان هذه "القاعدة" جعلت الرئيس الأمريكي جورج بوش يعين في هذا المنصب الرفيع رجلاً اجتمعت فيه صفات سيئة ، منها كونه من صقور المحافظين الجدد الذين يمتلكون رؤية إمبراطورية وإمبريالية تجاه العالم والمنظمات الدولية ، كما كان أحد مهندسي الحرب الاستعمارية علي العراق، فضلاً عن انه يمتلك علاقات قوية مع إسرائيل. والمفارقة العجيبة ان هذا الرجل المسكون برؤية عنصرية معادية للعرب جاءت نهايته نتيجة لوقوعه في غرام سيدة من اصل عربي .. وهي علاقة دفعته الي الوقوع في أخطاء تضارب المصالح والمحسوبية التي نحتاج نحن أيضا إلي محاربتها بشدة وتطوير الثقافة المضادة لها.