إذا صدقت الاحصاءات الرسمية فسوف تعتقد ان هذه هي اوقات الخير في غرب أوروبا.. فالاقتصاد ينمو بسرعة منذ عام 2000 في حين انخفض التضخم واسعار الفائدة الي ادني المستويات التاريخية، اما البطالة فهي في تناقص مستمر في معظم الانحاء ومع ذلك فان الناس لا يشعرون بهذه النعم فهم يشكون مثلا ارتفاع اسعار الاساسيات مثل الطعام الذي زادت اسعاره الي ضعف او ضعفي ما كانت عليه ويقولون ان النقود التي في جيوب الناس صارت اقل مما كانت عليه بحيث اصبح عليهم الالتزام بالتقشف! وتقول مجلة "تايم" الامريكية ان هذا التفجع والعويل ينتشر في كل اوروبا فالطبقة العاملة تشعر بانها تعتصر ماليا ولا تستفيد من ثمار التعافي الاقتصادي وقد اصبح سخطها هو اسخن قضية اجتماعية وسياسية الآن.. وفي استطلاع للرأي اجرته نوفاتريس/ هاريس في يناير الماضي قال الفرنسيون والالمان والايطاليون ان همهم الاكبر هو ارتفاع تكاليف المعيشة وانه يأتي قبل مشاكل البطالة والامن والمعاشات والهجرة.. وقد اعترف رئيس الوزراء الفرنسي دومينيك دوفيلبان اخيرا بان تدني القوة الشرائية هو قضية حكومته المركزية كما اصبحت هذه القضية احد محاور حملة الانتخابات الرئاسية التي يتناطح بها اليمين واليسار ويقدمون الوعود بزيادة دخل الطبقة الوسطي وذوي الدخل المحدود عموما. وفي المانياوهولندا وغيرهما عادت النقابات تطالب بزيادة الاجور بعد سنوات من تجميدها فمادام الاقتصاد يعمل بشكل جيد فلابد ان تتمتع الطبقة العاملة ببعض الثمار وهذا هو ما يؤكده ماركو فان مورت المتحدث باسم اكبر اتحاد عمالي في هولندا.. وقد نجح عمال البناء في هولندا اخيرا في زيادة اجورهم 7% علي امتداد 27 شهرا وهي نسبة تفوق معدل التضخم اما محافظ البنك المركزي الاوروبي فقد حذر من جانبه من ان هذه الزيادات في الاجور سترفع معدل التضخم. ويمكن القول بأن عدم الرضا العام هذا ظاهرة عالمية، فالاجور في كل البلدان الصناعية تعاني من الضغوط الناجمة عن تنامي المنافسة العالمية والتغير التكنولوجي.. وفي المانيا علي سبيل المثال اضطر عمال صناعة السيارات في الاعوام الاخيرة الي قبول نفس الاجر عن ساعات عمل اطول خشية نقل الشركات لمصانعها الي سلوفاكيا او غيرها من البلدان ذات العمالة الرخيصة.. ومثل هذه الاتفاقات ساعدت الاقتصاد الالماني علي الانتعاش ولكنها زادت من الاستياء خصوصا مع ارتفاع ارباح الشركات واسعار الاسهم ودخول قادة الشركات الي آفاق عالية.. فقد تدني نصيب الاجور من اجمالي الدخل القومي في أوروبا الي ادني مستوي له منذ ثلاثة عقود، اما نصيب الارباح فقد ارتفع بشكل قياسي.. وقد قالت لوارا تايسون الاقتصادية السابقة في البيت الابيض الامريكي انها تخشي ان يؤدي سخط الناس الناجم عن عدم المساواة الي ردود فعل غاضبة ضد العولمة. وفي أوروبا هناك عامل اضافي يغذي هذا السخط وهو وجود شعور عام بأن الاخذ بالعملة الاوروبية الموحدة "يورو" منذ اول يناير عام 2002 قد ادي الي ارتفاع الاسعار في الدول الثلاثة عشرة التي تستخدم اليورو في التعامل.. ولكن المسئولين ورجال الاحصاء في الاتحاد الاوروبي يرون العكس ويقولون ان التضخم يزيد في بريطانيا وهي ليست عضوا في منطقة اليورو بمعدل اسرع من زيادته في دول اليورو.. صحيح ان بعض السلع والخدمات زادت اسعارها ويعترف بذلك مكتب الاحصاء الالماني فيقول انه منذ عام 2000 زادت اسعار الحلاقة 7% وتكاليف وجبة الافطار 13% وتذكرة الترام 17% اما في فرنسا فقد زاد سعر فنجان القهوة 45% والحليات المعمارية 40% حسب ارقام مكتب الاحصاء الفرنسي، ولكن هذه الزيادات وغيرها تستعوض من انخفاض اسعار السلع المعمرة مثل التليفزيونات والثلاجات والملابس والسيارات وهكذا يظل مستوي التضخم معقولا. ومع ذلك فان شكوي الناس من الارتفاع الشديد في الاسعار تظل تلقي بظلالها علي مصداقية ارقام مكاتب الاحصاء الاوروبية فليس من المنطقي ان يشكو طرف من ارتفاع الاسعار 100% في حين يري آخر ان هذا الارتفاع لا يتجاوز ال2% وايا ما كانت الحقيقة بشأن معدل التضخم الحقيقي فان الاجور تعتصر بالفعل والشدة محسوسة سواء في الاجور او المعاشات.. وقد اعلن مكتب الاحصاء الفيدرالي الالماني في يناير الماضي ان زيادة الاجور في المانيا عام 2006 كانت اقل ما يمكن فزيادة الاجور لم تتجاوز ال1.2% في حين كان معدل التضخم علي المستوي الفيدرالي 1.7% وان اكثر الفئات تضررا هم موظفو الحكومة والبلديات الذين هبط اجر ساعة العمل بالنسبة لهم بنسبة 0.8% وكذلك عمال البناء الذين هبط اجر ساعة عملهم بنسبة 0.2% بسبب سياسة العمل ساعات اطول مقابل نفس الاجر بجانب ذلك زادت ضريبة القيمة المضافة في يناير 2007 من 16% لتصبح 19% وهو ما سوف ينعكس علي اسعار السلع والخدمات. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان اتحاد العمال الالماني القوي (IG) ميتول يونيون الذي يسيطر علي صناعات الصلب والسيارات والآلات ويضم 2.3 مليون عامل يتفاوض حاليا لزيادة الاجور 6.5% خلال العام الحالي اي بنسبة 400% من معدل التضخم وهو يهدد بالاضراب اذا لم تتم الاستجابة لمطلبه.. وفي استطلاع للرأي اتضح ان هناك شعورا بان دخول حملة الاسهم وارباح الشركات واجور قادة الشركات تزيد بمعدلات عالية جدا وقال 74% انهم لم يستفيدوا من الانتعاش الاقتصادي وقال 44% ان مطلب اتحاد العمال (IG) عادل في حين قال 5% انه اقل مما يجب وهكذا يتأكد ان الطبقة الوسطي الاوروبية تعاني بشدة رغم ما حدث ويحدث من انتعاش اقتصادي.