في جنوب أوروبا وفي اليونان علي وجه التحديد لايزال التعامل مع النفايات والقمامة يتم في معظمه بطريقة لا تراعي الاشتراطات البيئية.. فشوارع العاصمة أثينا كثيرا ما تكون مليئة بالنفايات من كل نوع بل إن رائحة هذه القمامة تهب علي السياح أحيانا وهم في طلال التاريخ اليوناني العريق يزورون قلعة أثينا المعروفة باسم "الأكروبولس". وتقول مجلة "نيوزويك" إن القمامة مشكلة في كل أنحاء أوروبا ولكن كيفية التعامل معها تختلف في بعض البلدان.. فإذا تحركنا شمالا من اليونان إلي ألمانيا الأكثر حساسية للاعتبارات البيئية سنجد أن عبقرية الألمان تظهر حتي في التعامل مع قمامتهم.. فمقالب النفايات علي الطريقة اليونانية ممنوعة قانونا في ألمانيا. وقد تم إغلاق معظم هذه المقالب وما تبقي منها لا يستقبل سوي النفايات التي تستعصي علي إعادة التدوير.. ومن خلال الكيمياء الحديثة تقوم الشركات الكبري بتحويل هذه النفايات إلي ثروة. وتشير الأرقام إلي أن صناعة النفايات يبلغ حجمها الاَن في ألمانيا 50 مليار يورو وهي من أسرع قطاعات الاقتصاد الألماني نموا.. ولعل زيارة واحدة لمصنع النفايات القريب من برلين حيث يعمل جيش من الفرازين الاَليين "روبوت" وأجهزة الإبصار الحساسة في فرز 100 ألف طن من النفايات التي يتخلص منها بشكل منظم 5.3 مليون نسمة هم كل سكان العاصمة برلين.. وما يتبقي بعد الفرز يتم ضغطه في كريات صغيرة تستخدم كمصدر للطاقة الصناعية. وهكذا رغم أننا في قارة واحدة نجد ثقافتين في التعامل مع القمامة، ورغم جهود الاتحاد الأوروبي في وضع مواصفات قياسية لإعادة تدوير القمامة فإن العادات تتنوع والمواقف تختلف من بلد إلي بلد ولكننا نلمح حتي في هذه المسألة وجود جنوب وشمال.. فالشماليون مثل الألمان والدانماركيين والبلجيك يعيدون تدوير أو يحرقون 80% من قمامتهم المنزلية، أما الجنوبيون فلا يزالون يضعون نفاياتهم في مقالب أو حتي علي قارعة الطريق فوق الأرض.. ويري جورج سوفلياس وزير البيئة اليوناني أن مواطني بلده بحاجة إلي مزيد من الوعي البيئي وأن إكسابهم مثل هذا الوعي ليس عملية سهلة. والحقيقة أن الجنوبيين يدفنون ثروة في مقالب النفايات، فتحسن التكنولوجيا وارتفاع أسعار المواد الخام جعل عملية إعادة تدوير القمامة في أوروبا تجارة منتعشة تصل قيمتها إلي 100 مليار يورو سنويا.. ويقول دعاة حماية البيئة إن كل عشرة اَلاف طن من النفايات تتم إعادة تدويرها توجد 250 فرصة عمل في صناعة يعمل بها في ألمانيا وحدها 60 ألف شخص. ويقول بيتر كورث المدير المالي لشركة ألبا ALBA المسئولة عن مصنع برلين سالف الإشارة إليه إن هذه الصناعة كانت ناعسة منذ سنوات قليلة ولكنها الاَن صارت شديدة القوة والنشاط ومطمعا لشركات التخارج. وقد استطاعت شركة ألبا مضاعفة إيراداتها منذ عام 2004 لتصبح 750 مليون يورو في العام الماضي وهي تخطط لإقامة مصنع جديد لتحويل 75 ألف طن من نفايات المطاعم البرلينية إلي بيوغاز يحقق مطالب دعاة حماية البيئة ويوفر للشركة المزيد من الأرباح ويقول كورت إن القمامة هي واحدة من أرخص مصادر الطاقة المتجددة. وتقول مجلة "نيوزويك" إنه إذا كان الألمان ملتزمين باشتراطات البيئة فإن ذلك لا ينطبق علي الطليان ناهيك عن اليونانيين الذين يعشقون مخالفة تعاليم الحكومة.. وحتي في داخل البلد الواحد يختلف السلوك ففي شمال إيطاليا يلتزم الناس بقوانين حماية البيئة الإيطالية والأوروبية علي حد سواء ويحدث هذا منذ سنوات طويلة، أما في جنوب إيطاليا فإن أباطرة الجريمة المنظمة متغلغلون في عمليات جمع القمامة ويجعلون ما يتم إعادة تدويره لا يتجاوز ال 30% من قمامة مدن الجنوب. وعلي صعيد اَخر فإن عملية إعادة تدوير القمامة لا تستلزم مجرد الوعي الجماهيري وإنما هي تحتاج أيضا إلي استثمارات لا تقدر عليها البلدان الأفقر في شرق أوروبا ولذلك فإن مقالب القمامة لاتزال شائعة في المجر وجمهورية التشيك. ويقول بيل دونكان أحد كبار المسئولين عن حماية البيئة في بروكسل إننا نحتاج إلي ثورة في شرق أوروبا حيث لايزال الزبال التقليدي بعربته المعروفة هو المظهر السائد، ولكن التغيير يحدث علي أية حال ويتوقع الاتحاد الأوروبي أن يتضاعف عدد العاملين في صناعة إعادة تدوير النفايات إلي 120 ألف عامل بحلول عام 2020. ومع ذلك فإن الاتحاد الأوروبي لايزال لديه ملاحظات علي كفاءة التعامل مع القمامة حتي في دول الشمال الأوروبي مثل فرنسا وهولندا وغيرهما وحتي بريطانيا تأتي في ذيل قائمة من يتعاملون مع القمامة بمنطق إعادة التدوير. ولكن المسئولين المحليين في لندن يتوقعون اختفاء مقالب القمامة كليا من مدينتهم في غضون 9 سنوات ويفكرون في فرض رسوم ضريبية علي كل من يلقي قمامته في المقالب دون إعادة تدوير وتتصاعد هذه الضريبة مع تصاعد كمية القمامة الملقاة. بقي أن نذكر أن كل بلد له ثقافته الخاصة في التعامل مع القمامة ولكن مارتن كونكناي أحد نشطاء جماعة أصدقاء الأرض ببروكسل في مجال الدعوة إلي إعادة تدوير القمامة يري أن الضغط علي جيوب الناس هو السبيل إلي توعيتهم بهذه المسألة.. ومنذ أسابيع قليلة قرر البرلمان الأوروبي أن يكون المستهدف هو إعادة تدوير 50% من إجمالي النفايات المنزلية الأوروبية مع حلول عام 2020 وذلك بفرض عقوبات علي المخالفين.. وهذا سيجعل حتي اليونانيين يغيرون طريقتهم في التعامل مع القمامة.