بدأت صناعة الماس أخيرا تتجه إلي تطبيع أوضاعها في الإنتاج والتجارة وتنتقل من عصر الاحتكار إلي عصر المنافسة.. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إنه يتم سنويا إنتاج ما قيمته 13 مليار دولار من الماس وما قيمته أكثر من 62 مليار دولار من الجواهر الماسية علي المستوي العالمي كله. ومعروف أن شركة دي بيرز كانت تحكم قبضتها علي إنتاج الماس الخام وتجارته، ولكن هذه القبضة بدأت تخف في الفترة الأخيرة وظهرت إلي جوارها عدة شركات منتجة صغيرة، وإلي جانب ذلك توقفت الحروب التي كانت تمولها تجارة الماس في إفريقيا، وراحت السلطات في أوروبا وأمريكا وإفريقيا تضغط من أجل إنهاء الاحتكار في سوق الماس العالمي.. وإلي هذه العناصر الثلاثة تعزي التحولات التي تجري في صناعة الماس وتقودها إلي عصر التنافسية. ويقول جاريث بيني المدير العام لشركة دي بيرز إن تحول صناعة الماس من صناعة يتحكم فيها العرض إلي صناعة يقودها الطلب هو جوهر التحولات التي تحدث أمام أعيننا حاليا. ففي بداية تسعينيات القرن الماضي كانت دي بيرز تنتج وحدها 45% من الإنتاج العالمي وتبيع وحدها أيضا 80% من جملة الماس المعروض في الأسواق وذلك عبر مقرها التسويقي بلندن.. وكانت الشركة تتحكم في السوق صعودا وهبوطا من خلال المخزون الكبير الذي تمتلكه. ولكن قادة دي بيرز اكتشفوا أن هذا التحكم ليس في صالح تعظيم العوائد المالية، كما أخذت السلطات الحكومية في أوروبا وأمريكا تدعو إلي المنافسة وزاد حجم الروايات المتداولة عن فظاعة الانتهاكات التي يرتكبها المتمردون الذين تمولهم تجارة الماس في إفريقيا. وفي ظل إدارتها الجديدة في أواخر التسعينيات بدأت شركة دي بيرز تغير مسار عملياتها فقد كف مقرها التسويقي بلندن عن شراء الماس الخام من الأسواق وخرجت الشركة من البورصة عام 2001 وأصبحت الاَن مملوكة ملكية مشتركة أنجلو أمريكية إلي جانب عائلة أوبنهايمر وحكومة بتسوانا.. وسوت الشركة نزاعاتها الطويلة مع سلطات مناهضة الاحتكار في الولاياتالمتحدة ووعدت الاتحاد الأوروبي بالكف عن شراء إنتاج شركة الروزا ALROSA الروسية للماس وهي شركة حكومية تنتج 20% من الماس العالمي الخام، وسيبدأ تنفيذ هذا الاتفاق اعتبارا من عام 2009 لإتاحة فرصة أوسع أمام المنافسة.. واليوم أصبحت دي بيرز لا تبيع سوي 45% من إجمالي إنتاج الماس الخام كما أصبح نصيبها من إنتاجه لا يتجاوز ال40% سنويا. ومع اتجاه سوق الماس إلي المزيد من الحيوية والنشاط راحت دي بيرز تستثمر بكثافة في التنقيب عن الماس وتقوم حاليا بتنمية 4 مناجم جديدة في كنداوجنوب إفريقيا. كذلك قامت هذه الشركة العملاقة بفتح سلسلة متاجر للمجوهرات الماسية كمشروع مشترك مع LVMH جروب للسلع الترفيهية.. وهي تنفق حاليا 200 مليون دولار علي التسويق مما ساعد علي زيادة مبيعات الماس خاصة في اَسيا وشجع الناس علي شراء الماس الحقيقي بدلا من الماس الصناعي المنتشر في 90% من سوق الماس العالمي. وتوجد في سوق إنتاج وتجارة الماس الطبيعي الاَن شركات أصغر مثل شركة كيمبرلي دياموند جروب وشركة ترانزهيكس وشركة جيم دياموندز وهي تتسابق علي ملء الفجوة بين كبار المنتجين وصغار المنقبين. وأخيرا قامت شركة بيترا دياموندز وهي شركة صغيرة أخري بشراء أحد مناجم دي بيرز في جنوب إفريقيا وهي واثقة من تحويله إلي منجم رابح بدلا من الخسائر التي يحققها الاَن، كذلك توشك بيترا دياموندز علي الإنتاج من مناجمها في سيراليون كما يسودها التفاؤل بشأن عمليات التنقيب التي تقوم بها في أنجولا مع شركة BHP بيلليتون. وتتوقع بيترا أن يصل حجم إنتاجها عام 2010 إلي 500 ألف قيراط من الماس بعد أن كان لا يتجاوز ال 175 ألف قيراط في العام الماضي، ولكن هذه الأرقام تظل مجرد شيء صغير جدا مقارنة مع إنتاج دي بيرز الذي يبلغ 51 مليون قيراط سنويا حسب أرقام عام 2006. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن امبراطور الماس العالمي ليف ليفيف قد دخل أيضا مضمار الإنتاج والتجارة وأصبح له مصانع لصقل وتلميع الماس في إفريقيا وهو يشتري الماس الخام من الحكومات الإفريقية مباشرة ويمثل نشاطه هناك أحد الضغوط التنافسية علي شركة دي بيرز. والشيء المؤكد علي أية حال أن إفريقيا التي تقدم وحدها نحو 60% من إنتاج الماس العالمي تليها روسيا 8.17% ثم كندا 4.11% وبعدها استراليا 5.4% واَخرون 7.6% تريد أن تفعل ما هو أكثر من مجرد تصدير الماس الخام.. ويبدو بالفعل أن هذا الزمن في طريقه إلي الأفول، ففي يناير الماضي اتفقت شركة دي بيرز مع حكومة ناميبيا علي تصنيف إنتاجهما المشترك من الماس محليا وبيع نحو نصف الإنتاج من الجواهر في السوق المحلي أيضا. ويريد منتجو الماس الأفارقة أيضا صقله محليا لأن ذلك يضيف 50% إلي قيمته وهو خام بل إن بعضهم يريد أن يدخل عصر صناعة المجوهرات الماسية.. وتجدر الإشارة إلي أنه لا أنتويرب ولا إسرائيل تعدان حاليا مراكز صقل الماس الرئيسية في العالم حيث انتقلت هذه الصناعة إلي الهند والصين بصفة أساسية، وها هي إفريقيا تطالب بنصيب في عملية صقل الماس.. وبقي أن نقول إن صناعة الماس لم تدخل بعد عصر الشفافية بالقدر الكافي وإن عمليات تهريب الماس لاتزال تجري بشكل غير قانوني في بلاد إفريقية كثيرة وفي مقدمتها أنجولا والكونغو الديمقراطية.