انتهت إضرابات عمال الغزل والنسيج بعد ان استجابت الحكومة لمطالبهم وانتظم آلاف العمال في العمل داخل مصانعهم وبادروا بمضاعفة وردياتهم في محاولة لتعويض الخسائر المادية التي نتجت عن توقف العمل طوال أيام الاضراب، لتدور عجلة الانتاج ويدوي صوت المكن داخل مصانع الغزل والنسيج التي تعد واحدة من أعرق وأهم قلاع الصناعة الوطنية، ولكن الاضراب في حد ذاته كان نتيجة طبيعية لتجاهل هذا القطاع لسنوات طويلة دون تدخل مما ادي الي تراكم المشاكل داخله. ومنذ بدء برنامج الخصخصة في عام 1991 لم تبذل الحكومات المتعاقبة أي جهود حقيقية لاعادة هيكلة شركات القطاع البالغ عددها 38 شركة أو ضخ استثمارات جديدة لتحديث الآلات واستخدام أحدث تقنيات العصر في صناعات الغزل والصباغة والملابس، كما فشلت مجالس الادارات في وضع وتنفيذ خطط لتطوير العمل ورفع الطاقات الانتاجية للمصانع ولم تطور منتجاتها بما يتناسب مع العصر كما افتقدت كذلك لسياسات التسويق الجيدة بالاضافة الي تحرير اسعار القطن والغزول مما ادي الي تزايد الخسائر داخل القطاع، حتي العمال لم يتم زيادة اجورهم منذ عام 1995، وتكفي نظرة واحدة لانتاجنا من الملابس والمفروشات والخيوط المعروضة في السوق لنري مدي السوء الذي آلت إليه هذه الصناعة العريقة في الوقت الذي نري فيه دولا أخري - وليدة في هذا المجال - بدأ انتاجها يغزو الاسواق العالمية بجودة عالية واسعار منافسة مثل تونس والمغرب وبنجلاديش والهند والصين. ومع توجه الدولة لاقتصاد السوق الحر وجهت الحكومة اهتمامها الاكبر لاقامة المشروعات مع الاستثمار الاجنبي بمشاركات ايطالية وصينية وتركية وغيرها وهو بالطبع توجه نشجع عليه لانه يسهم في دفع التنمية، كما شجعت القطاع الخاص علي الدخول في اتفاقية الكويز التي لم يستفد منها سوي عدد محدود جدا من رجال الاعمال في الوقت الذي اهملت فيه الشركات العامة ورفضت تقديم اي قروض او دعم لها، كل هذه المتغيرات جعلتها تتخلي عن دورها الاجتماعي تجاه العمال الذي كان يوفر الحد الادني من الامان للعمال ويصون حقوقهم، وكأن الحكومة أوجدت - بنفسها - المبررات القوية التي تشجعها علي التخلص من الشركات وبيعها لأول مستثمر بأدني الاسعار. لقد كشفت الاضرابات الاخيرة مدي فقدان ثقة العمال في مجالس اداراتهم وكذلك بينهم وبين اتحاد العمال واللجان النقابية داخل الشركات والذين كانوا خلال الازمة في واد والعمال في واد آخر، ومن الغريب ان كل المسئولين المعنيين بالازمة علي جميع المستويات طالبوا العمال بانهاء الاضرابات اولا قبل اجراء اي مفاوضات معهم والاستجابة لمطالبهم وهو مبدأ لم يعد مقبولا في ظل تبنينا لاقتصاديات السوق، ورغم ان مطالب العمال مشروعة بل تعتبر حقا اصيلا لهم مثل رفع الاجور المتدنية وزيادة بدل التغذية وتحسين الخدمات الطبية بالاضافة الي توفير حافلات مناسبة لنقل العمال وصرف الحوافز والارباح، وكل هذه الاجراءات كانت كفيلة بتحسين ظروفهم المعيشية القاسية. علي أي حال فالعمال ليسوا مسئولين عن تدهور احوال الشركات والمصانع والخسائر التي تراكمت عليها لان المسئول الاول عن هذه الكارثة هو سياسات الحكومة وفشل مجالس الادارات وتقاعس اتحادات العمال عن القيام بواجبها في حماية حقوق العمال والتحدث باسمهم، واذا كان البعض انتقد العمال لمطالبتهم بالحوافز والارباح رغم خسائر القطاع فلماذا قام المسئولون واعضاء اللجنة النقابية بشركة غزل شبين الكوم بصرف الارباح وحدهم دون العمال مما اثار غضب العمال ولجأوا الي الاضراب للحصول علي حقوقهم التي اراد البعض حرمانهم منها. وإذا كان تم علاج الازمة بالمسكنات كما تعودنا الا انه آن الاوان لتصحيح الاوضاع المتردية في الشركات القابضة للقطن والغزل والنسيج واستبعاد الادارات التي اثبتت فشلها في تبني خطط لاعادة الهيكلة والنظر الي مطالب العمال والاهتمام بتدريبهم وتأهيلهم بشكل عصري كما ان اللجان النقابية مطالبة ببذل جهد اكبر لتحسين صورتها امام العمال وخاصة بعد ان اتهمها العمال بالتخلي عن قضيتهم وطالبوا بسحب الثقة من بعضها ولجوء عمال شبين الكوم الي القضاء للمطالبة بحل اللجنة النقابية بالمنوفية، كما كان يجب ان يكون دور رئيس اتحاد عمال مصر التدخل للتفاوض من اجل حقوق العمال بدلا من ان يتهم آخرين بإثارة العمال وذلك لان مهمته الاساسية هي ان يكون صوت العمال وليس صوت الحكومة. [email protected]