هناك سوق في مصر لا يعرفه الكثيرون وهو سوق الانتربنك وعلي الرغم من أن كثيرين منا لم يسمعوا بهذا السوق من قبل إلا أنه سوق يتعامل به كثيرون وإذا كان السوق العادي ترتفع فيه الأصوات والضوضاء ويشهد حالة بيع وشراء قد تمتد لساعات طوال، فإن سوق الانتربنك يشهد ايضا عمليات بيع وشراء ولكن ليس لسلع وخدمات وأغذية وملابس بل لعملات أي "فلوس"! وسوق الانتربنك هو ببساطة سوق لعمليات الاقراض بين البنوك فالبنك الذي يعاني عجزاً في السيولة لديه يلجأ لهذا السوق للاقتراض منه والبنك الذي لديه فائض من السيولة يعرضها للبيع في هذا السوق. وتاريخ البنوك مع سوق الانتربنك طويل جدا لكن ما يهمنا هنا هو التعرف علي علاقة القطاع المصرفي مع هذا السوق قبل البدء في برنامج الإصلاح المصرفي والمالي وتحديدا خلال فترة التسعينيات وحتي 2003 وعقب تنفيذ المرحلة الأولي من هذا البرنامج التي بدأت عام 2004 وانتهت نهاية 2006. المرحلة الأولي طوال فترة الثمانينيات والسبعينيات ظل سوق الانتربنك موردا رئيسيا للبنوك التي كانت تعاني من عجزا مستمرا في السيولة المحلية لديها ونجم هذا العجز بشكل أساسي عن ضعف ثقة المودعين في هذه البنوك وبالتالي قلة الودائع لديها ومن هنا لجأت هذه البنوك الي سوق الانتربنك إما لتغطية نسبة السيولة المطلوبة من قبل البنك المركزي وتفادي العقوبات المفروضة من قبل البنك المركزي في حالة وجود عجز في السيولة أو لتوجيه القروض التي تحصل عليها البنوك من سوق الانتربنك لتمويل بعض الانشطة المصرفية ومنح العملاء تسهيلات ائتمانية لتمويل مشروعات ودمج الكيانات الثلاثة به. وتم دمج البنك العقاري المصري في البنك العقاري العربي ليشكلا كيانا واحدا هو البنك العقاري المصري العربي لكن سوق الانتربنك لا يزال يلاحق الكيان الجديد حيث لا يزال معتمدا علي هذا السوق في تدبير احتياجاته المالية وعلي الرغم من المجهودات الضخمة التي قامت بها إدارة البنك الحالية من تسوية لنحو 8 مليارات جنيه من أموال البنك المشكوك في تحصيلها وجاري تسوية نحو 6 مليارات جنيه أخري إلا أن محفظة البنك لا تزال في حاجة لمجهودات ضخمة لتنظيفها. الوضع الحالي وإذا انتقلنا لوضع سوق الانتربنك في الوقت الحالي نجد ان الوضع اختلف كثيرا عن الفترة التي سبقت عام 2004 وهو العام الذي شهد بداية اصلاح القطاع المصرفي فقد اتجهت معظم البنوك الي اتباع سياسات من شأنها تقليص الاعتماد علي الانتربنك لأقصي درجة ممكنة ولتحقيق هذه المعادلة الصعبة لجأت البنوك إلي: 1- التوسع في سياسة طرح أوعية ادخارية متوسطة وطويلة الأجل. 2- التوسع في جذب ودائع الافراد والمؤسسات خاصة تلك التي تتميز بالاستقرار. 3- عمل مواءمة بين الموارد والاستخدامات بحيث لا يتم تمويل استثمارات متوسطة وطويلة الأجل بأموال الانتربنك. 4- البحث عن أدوات جديدة يمكن من خلالها تدبير سيولة اضافية للبنك ويأتي في مقدمة هذه الادوات التوريق وطرح السندات وتأجير بعض الأصول بنظام التأجير التمويلي. وقد لعبت هذه السياسات دورا مهما في إعادة التوازن لميزانية العديد من البنوك حتي ان بعض هذه البنوك وضع خطة زمنية للاستغناء عن سوق الانتربنك أو اللجوء اليها في اضيق الحدود ولاغراض محددة منها استكمال نسبة الاحتياطي النقدي المطلوبة من قبل البنك المركزي والبالغة 14% من اجمالي الايداعات بالجنيه المصري.. وهي مهمة قصيرة الأجل ولا تستغرق عدة أيام حيث يمكن بعدها للبنك الذي يعاني من عجزاً وحتي في السيولة وهذه الودائع للبنك المقرض. وهنا كانت الطاقة الكبري حيث قامت البنوك بتمويل مشروعات متوسطة أو طويلة الأجل بقروض قصيرة الأجل تم الحصول عليها من الانتربنك. قائمة طويلة واذا تطرقنا إلي بعض الأمثلة في هذا المجال نجد ان القائمة طويلة جدا، ويكفي أن نقول ان بنوكا كانت تعتمد بالكامل علي سوق الانتربنك لتمويل انشطتها حدث ذلك إبان رئاسة علاء الأوسية للبنك العقاري المصري العربي (العقاري العربي سابقا) وعادل حشيش لبنك المهندس الذي تم دمجه في البنك الأهلي وعبد الله طايل لبنك مصر اكستريور وسمير القصري لبنك التجارة والتنمية (التجاريون) ومحمد عبد الجابر الوكيل للمصرف الاسلامي الدولي للاستثمار والتنمية وتوفيق عبده اسماعيل لبنك الدقهلية التجاري (المصري المتحد بعد ذلك) وعيسي العيوطي لبنك النيل ومحمد زكي العرابي للبنك الوطني للتنمية، وتكرار الموقف خلال رئاسة محمود حسن عبد الله ومحمد الأصفر لبنك الاسكندرية الكويت الدولي (المصري التجاري بعد ذلك) ، ود.كمال أبو العيد لبنك التنمية الصناعية المصري والمستشار عادل عبد الباقي ومصطفي الشناوي للبنك العقاري المصري.