التحول الاشتراكي الذي لا يمكن اعتباره وليدا للصدفة للكثير من دول أمريكا اللاتينية التي كانت حتي وقت قريب تعتبر الفناء الخلفي للولايات المتحدة لا يمثل فقط صفعة للسياسات الفاشلة لواشنطن تجاه دول هذه القارة المنسية وإنما له أيضا أسباب اقتصادية بحتة أبرزها ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وزيادة معدلات الجريمة والنظرة الأمريكية الخاطئة تجاه هذه الدول وعدم مد يد العون الحقيقي لهذه البلدان والمعاملة القاسية التي يلقاها المهاجرون الباحثون عن ما يسد رمقهم ورمق أسرهم. وكانت نيكاراجوا اَخر هذه الدول التي انضمت إلي ما يمكن تسميته مجازا "معسكر الشعوب" الذي تتزعمه العدوتان اللدودتان للولايات المتحدةكوبا بزعيمها التاريخي فيدل كاسترو وفنزويلا أكبر قوة بترولية في القارة برئيسها هوجو شافيز الذي يعمل علي إحياء حركة السبعة والسبعين أو عدم الانحياز التي أسسها نهرو وعبد الناصر وتيتو في ستينيات القرن الماضي. وبدلا من الأخذ بعين الاعتبار الاهتمام بهذه الدول اقتصاديا واجتماعيا اهتمت أمريكا بما يعرف بحربها علي الإرهاب غير المجدية إلا في نهب ثروات العراق وتقسيم المنطقة أو رسم خريطة سياسية جديدة لها وفرض ديمقراطيتها الزائفة. ولم يكترث الشعب في نيكاراجوا من تحذيرات وزير تجارتها قبل الانتخابات والموالي لواشنطن وأسقطوا مرشحيها الاثنين "مونتليجري" و"ريزو" رغم ما أشار إليه أن الاستثمارات الأجنبية التي تصل فقط ل 230 مليون دولار سنويا بحسب أرقام العام الماضي معرضة للخطر في حالة فوز أورتيجا ولم يعبأوا بما قاله مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في أمريكا اللاتينية بإمكانية قطع المساعدات الاقتصادية إلي نيكاراجوا، ورغم كل هذه التهديدات قال الشعب كلمته واختار أورتيجا وهو زعيم ينتمي سياسيا إلي أقصي التيارات اليسارية المتشددة. وللولايات المتحدة تاريخ أسود مع نيكاراجوا ففي عام 1909 غزت نيكاراجوا لمدة 24 عاما وأقصت رئيسها اَنذاك الرئيس خوسيه سانتوس زيلايا بعدما أعدمت حكومته اثنين من الأمريكيين كانا يعملان مع المليشيات المسلحة المناهضة للنظام إلا أن البحرية الأمريكية التي احتلت نيكاراجوا لم تصمد أمام المقاومة الشرسة من الجنرال أوجستو سانديو وانسحبت عام 1933 وظلت عائلته تحكم حتي استيلاء الجنرال أورتيجا زعيم حركة السندينستا وذلك عام 1979. وأصبحت نيكاراجوا مسرحا ساخنا لجزء أكبر من أحداث الحرب الباردة بعد أن تحالفت جبهة سندينستا بزعامة أورتيجا مع الاتحاد السوفييتي السابق ودخلت واشنطن في حرب مستترة مع جبهة سندينستا عن طريق دعم متمردي الكونترا في حقبة الثمانينيات.. وترك أورتيجا الحكم طواعية عام 1990 عندما خسر الانتخابات. ومع النصر الساحق للديمقراطيين في الانتخابات الأخيرة وسيطرتهم علي مجلس الكونجرس "الشيوخ والنواب" لأول مرة من 12 عاما بات عليهم إصلاح الكثير من السياسات الأمريكية الخارجية التي كبدت الولاياتالمتحدة الكثير سواء علي المستوي السياسي أو الاقتصادي.. فاقتصاد أكبر دولة في العالم يعاني من أسوأ ركود منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي والإنفاق العسكري بلغ ذروته كما تدهورت الرعاية الصحية وهناك عجز هائل سواء في الميزان التجاري أو في صناديق المعاشات وهو عجز غير مسبوق كما تراجعت أجور الأمريكيين خصوصا من العمال لأدني مستوياتها قياسا بالأسعار الحقيقية منذ فترة الستينيات. وتعتمد الكثير من الدول علي التحويلات الخارجية لمواطنيها المهاجرين للولايات المتحدة وعلي رأس هذه الدول في أمريكا اللاتينية السلفادور التي يحول مهاجروها إلي بلادهم 3 مليارات دولار سنويا وهو ما يمثل 16% من الناتج المحلي الإجمالي لبلادهم ويعمل في الخارج 1.5 مليار سلفادوري معظمهم مهاجرون غير شرعيين بالولاياتالمتحدة. ويذكر أن حجم تحويلات المهاجرين وأغلبهم من أمريكا اللاتينية إلي بلادهم الأصلية تضاعف 4 مرات علي الأقل في الفترة من 1990 إلي 2005 حيث وصل العام الماضي إلي ما يزيد علي 160 مليار دولار.