أكتب هذه السطور من لوس أنجلوس، البلد الذي عاشت بقربه الملكة نازلي والدة الملك فاروق آخر ملوك مصر، ومعها ابنتها فتحية الأميرة التي أحبت موظفا مسيحيا في قنصلية مصر بسان فرانسيسكو، وتزوجته رغما عن الإرادة الملكية، وأفقدت الملك فاروق فرصته كي يبيع لنا حكاية أنه من نسل النبي محمد صلي الله عليه وسلم. ولم يقم أحد بتحليل شخصية أو نفسية الملك الراحل فاروق، فقد أحبه المصريون في بداية سنوات حكمه، ثم كتبوا علي جدران الشوارع عام 1950 هتافات تقول "أين الغذاء والكساء يا ملك النساء؟". لا أدري لماذا بحثت عن أي أثر للملكة نازلي في لوس أنجلوس، وهي تبعد مسافة قليلة عن سان فرانسيسكو. وضاعت مني ساعات دون أن أجد حكاية واحدة عن أم الملك التي أذلته بمغامراتها الباحثة عن اللذة فور توليها الحكم، وأذلته مرة أخري عندما قررت أن تعيش في سان فرانسيسكو بعيدا عن مصر بعد أن أتهمته بشكل مباشر بقتل زوجها العرفي أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي، الذي قيل إن هناك من قام بتفكيك علبة الدريكسيون في سيارة السباق التي كان يركبها، فوقعت الحادثة المريعة التي مات فيها، وسبق ان ماتت من قبله المطربة أسمهان التي نافست الملكة نازلي في غرام رئيس الديوان الملكي المصري. كانت الأسرة الملكية في مصر عام 1949 ملوثة بأفعالها التي راهنت علي اللذة والثروة، ولم تراهن علي رفعة شأن البلد الذي جاع سكانه وراح نهبا لأحوال مريضة، وتحالف بين القصر بكل ما فيه من خبايا وبين حكومات ضاعت سمعة رؤسائها من فرط خوفهم من الإنجليز تارة ومن فرط تفانيهم في خدمة الملك فاروق تارة أخري. تلك هي الحكايات التي قرأناها ونحن صغار عن الملك وأمه وعائلته، ولم يغفر أحد للأسرة العلوية أنها أسست مصر الحديثة، لأن حكام هذه الأسرة من بعد محمد علي الذي وحد مصر كلها وامتلكها بكل خيراتها، وأوفد البعثات وصنع السلاح، حكام هذه العائلة لم يفطنوا إلي جهد المؤسس محمد علي، فمنهم من حفر قناة السويس بآلاف المخطوفين من الريف، ومنهم من رهن قناة السويس في رحلة مجد مزيفة، وإن كان قد أضاف الكثير من المباني الجميلة للقاهرة وأعني به إسماعيل باشا الخديو الذي انقسم الناس حوله، ومنهم من قهر امرأة علي الزواج منه لفرط غيرته مثل والد الملك فاروق، الذي كان يغار إلي حد الجنون علي زوجته نازلي، وهي من استبدلت حب الرجال بحب المجوهرات إلي أن مات فؤاد الأول، فبدأت تبحث عن مغامرات تعالج بها خواء الروح. أخيرا وجدت في لوس أنجلوس شخصا يعمل في العلاقات العامة لفندق كبير بالمدينة، ولأني مصري، وهو من أسرة إيرانية غادرت إيران مبكرا من قبل خمسة وسبعين عاما، وأصر علي ان يدعوني إلي لقاء جدته التي عملت لفترة كوصيفة للملكة نازلي وهي هنا في كاليفورنيا، كانت السيدة العجوز التي يقترب عمرها من التسعين تدخن سجائر ثقيلة فرنسية وتتكلم بصعوبة، وحين سألتها عن الملكة نازلي، قالت "كانت مجنونة، فقد شاركت ابنتها في عشق زوج الابنة المدعو رياض. وأضافت "من الجنون أن يحاول القلب قلب المرأة أن يعوض حرمانا قديما، هكذا كان حال الملكة نازلي".