حين تخرج علينا سيوف التكفير ومقصلة الفكر وخناجر الجهل.. وحين لا يصبح لدينا سوي موضوع "الحجاب" أو غطاء الرأس يشغلنا ويؤرق عقولنا ويهدد امننا.. عندها يا سادة.. يجب علينا جميعا ان نقلق.. وان نعرف ان هذا البلد قد اختطفته قلة تريد بنا ان نعيش في غياهب الظلام كي يصبحوا هم الخيار الاوحد.. فيما نجلس نحن - ممن نسمي انفسنا بالليبراليين- في بيوتنا نمتنع عن الكلام خائفين مذعورين.. متذرعين بالتحضر. الآن فقط بدأت اشعر بالخوف.. ما كان الخوف او الوجل ينتابني لحظة في شوارع القاهرة او اي شارع مصري مهما كانت ظلمته.. الان فقط اشعر بالخوف.. ليس من "التحرش" كما صور البعض، ولكن من مستقبل لا احمل تفاصيله او حتي ملامحه اقدمه لابني دون وثوق بأنه افضل مستقبل يمكن ان يعيشه. نطق وزير الثقافة.. فاجتاحته الاقلام ذبحا وهتكا.. ولكن - مع احترامي الشديد لجرأته - فعليه ان يسدد الثمن. ثمن نظام - هو مشارك فيه - سكت كثيرا علي تخاذله وضعفه امام ما ظننا انه ديني.. لكنه في حقيقة الامر سياسي في المقام الاول. يدفع فاروق حسني ثمن سكوته علي محاكمة فيلم يعقوبيان في مجلس الشعب ومنع كتاب شفرة دافينشي والفيلم فيما بعد، ومصادرة رواية وليمة لاعشاب البحر، وحظر اولاد حارتنا.. يدفع فاروق حسني وندفع معه ثمن استسلامنا للرقابة الدينية - مسيحية واسلامية - في السينما والفن والمسرح.. يدفع ثمن استسلامنا لمنع عرض مسلسلات عن الصحابة واستمتاعنا بمسلسلات عن الكفار او الخيانة الزوجية.. لقد استسلمنا خوفا من الاخوان ومن غيرهم فلندفع الثمن. يدفع فاروق حسني ثمن اقصاء الدعاة المعتدلين وفتح ابواب المساجد امام دعاة متشددين، يدفع ثمن تراجع دور الازهر المعتدل المستنير لصالح مؤسسات لا نعرفها، وتيارات طغت ولم نقف في وجهها. يدفع فاروق حسني فاتورة فشل حكومات متعاقبة سمحت للتيار الاخواني بالتشعب والنمو في كل حارة وكل شارع وكل قرية في مصر، تقدم لاهلها ما عجزت الدولة عن تقديمه وفشل المجتمع المدني في توفيره. فواتير باهظة يسددها فاروق حسني لمجرد انه قال رأيه الشخصي.. لكن للاسف هذا الرأي جاء متأخر كثيرا.. ربما اكثر من ثلاثين عاما حين بدأ التلاعب بالتيارات الدينية لضرب المعارضة اليسارية.. والنتيجة كانت لا حزب حاكم استطاع ان يملأ الشارع ولا معارضة و انما بقي التيار الديني يعلو فوق الجميع. ان فاروق حسني يدفع ثمن سكوتنا جميعا.. صمت اصحاب التيار المعتدل والليبرالي والمتوازن أو بالاحري الخوف والفزع من المواجهة او الاقتراب.. فيما يملأ الآخرون الدنيا ضجيجا وصخبا وتظاهرات وبيانات وشعارات واخبار.. يدفع فاروق حسني فاتورة سكوته.. وسكوتنا جميعا. فلنصرخ الان ونواجه.. قبل ان تقطع ألستنا جميعا. نقطة فاصلة: ملحوظة مهمة جدا: المقال السابق لا علاقة له من قريب أو بعيد بكون الحجاب فرضا أو واجبا أو غير ذلك.. انها قصة الحرية.. لمن لا يفهم.. أو لا يقرأ.. أو لا يريد أن يفهم.