اللبنانيون لا يخشون فقط الأزمات السياسية وانعكاساتها السلبية علي مناخ الاستثمار.. ولكنهم يخشون أيضا انتشار الفساد والرشاوي والذي قد يكون أشد وطأة من حالة الحراك السياسي التي قد تنتهي فورا باتفاق الفرقاء السياسيين. وهذا ما يفسر اهتمام مصرف لبنان "المركزي" المتزايد بقضية الشفافية ومكافحة الفساد باعتبارهما معبرا مهما لجذب الاستثمارات الخارجية بل ويعتبرهما المصرف من أبرز مقومات البيئة المالية المواتية لجذب الاستثمار المباشر للمشاركة في اعادة اعمار لبنان وإقامة مشروعات جديدة تدعم النمو الاقتصادي وتوفر فرص عمل جديدة. في هذا الاطار تحدث د.ناصر فصولي نائب حاكم مصرف لبنان للمصرفيين الدرب المشاركين في مؤتمر اتحاد المصارف العربية عن أهمية مكافحة الفساد كما تحدث مطولا عن مقومات البيئة المالية المواتية لجلب الاستثمار الأجنبي المباشر حيث أكد علي أنه مع أن الاستثمار الأجنبي المباشر ليس علاجا لكل المشكلات فهو يجتذب تدفقات مالية كبيرة نحو البلدان المستفيدة حيث يوجد ثروة ويسهم في تنويع ضروري لأسس اقتصادها. كما يوفر لمؤسسات الأعمال فرصا ثمينة في مجال التكنولوجيا ونقل المهارات ويمكنها بالتالي، من زيادة إنتاجيتها وهو أيضا بصفته مصدرا لايجاد فرص عمل جديدة يسهم في تنشيط الاستثمار الداخلي والقطاع الخاص المحلي نظرا لما تؤدي إليه العقود الفرعية من تأثيرات وتفاعلات. وقال إن وجود بيئة اقتصادية ملائمة للاستثمار الأجنبي، والقيام بحملات ترويج تشيد بطاقات البلد المعني وتصف فرص الاستثمار المتوافرة لديه وتعد بتقديم النصائح والمساعدة محليا، هي من الأمور الضرورية لجذب المستثمرين الأجانب.. غير أن الثقة التي يوحي بها البلد تبقي عاملا أساسي الحث المستثمر علي المبادرة والبقاء في البلد مع العودة إليه برفقة مستثمرين آخرين. ومع أن الاستثمار الأجنبي المباشر يعتبر من أهم العناصر لتفعيل الحركة الاقتصادية فإن لبنان لم يفرض بشأنه اطارا تنظيميا محددا فالاقتصاد اللبناني يمتاز تقليديا بأنه اقتصاد حر لا قيود فيه علي التبادل التجاري وعمليات الصرف مع وجود سياسة استثمار منفتحة ودور اقتصادي محدود للقطاع العام وأن المناخ السائد في الاقتصاد اللبناني هو جو ملائم لتطوير القطاع الخاص مع وجود تسعير حر بأسعار السوق لمعظم السلع والخدمات وغياب القيود علي تحركات الرساميل وعمليات الصرف. لكن يعود نائب محافظ مصرف لبنان المركزي ويؤكد علي أن عدم وجود قيود مهمة علي الاستثمار الخارجي المباشر في لبنان لا يعني بالضرورة ان الانظمة المعمول بها حاليا تستطيع اجتذاب الاستثمارات الخارجية المباشرة بشكل كاف والواقع أن هذه الأنظمة والاطارالمؤسسي المتصل بها تحتاج لأغراض النشاط الاقتصادي والعمليات المالية، إلي اصلاحات أساسية تزيل قيودا معينة علي نشاطات الأجانب وتؤدي إلي تبسيط نظام الحوافز الضريبية المتشعب وتبسيط الإجراءات الادارية التي تحتاج إلي مزيد من المرونة والشفافية. ويؤكد أيضا علي أن انعدام الثقة يفسر فتور المستثمرين الأجانب تجاه البلدان التي لها في الخارج صورة سيئة كما أن اطارالسياسة والمؤسسات والأنظمة الذي يفترض أن تجري فيه الاستثمارات يثبط عزيمة الراغبين في الاستثمار في حال عدم الاستقرار وصعوبة القيام بالتوقعات. وشدد نائب محافظ مصرف لبنان في لقائه بالمصرفيين العرب علي ان مصلحة لبنان الاكيدة تقضي بتشجيع الاستثمار الاجنبي المباشر بسبب منافعه المتعددة ولكن لابد هنا من التشديد علي ان اهم العوامل المؤاتية للاستثمار الاجنبي هما حسن الادارة وغياب الفساد. وقال ان الثقة تشمل وجود دولة القانون وادارة الشئون العامة بفعالية ومسئولية وشفافية في جو لا فساد فيه وانه يعني بذلك "حسن الادارة" وفق ما وضعه صندوق النقد الدولي من معايير يعتبرها اساسا لازدهار الاقتصاد. ويضيف بان غياب الفساد هو جزء لا يتجزأ من حسن الادارة فالمفهومان يتلازمان ومتداخلان والواقع ان سوء الادارة يشجع نشوء الفساد ويحث عليه كما ان الفساد يقوض الجهود المبذولة لتحقيق حسن الادارة واستند في مداخله للمعايير الدولية المطبقة في هذا الشأن حيث قال ان صندوق النقد الدولي الذي يفسر حسن الادارة بانها "ادارة الشئون العامة" يري انها يجب ان تشمل علي الصعيد الاقتصادي ثلاثة ابعاد يتيح تطبيقها الحد من الفساد: 1- ان تمتنع الدولة عن التدخل في النشاط الاقتصادي بشكل مفرط. 2- ان تضمن الدولة شفافية عملياتها ومسئولية موظفيها وحسن ادارتها الاقتصادية والمالية للقطاعات التي تشرف عليها مباشرة. 3- ان توفر بيئة مستقرة ذات قواعد ثابتة وطابع تنافسي لتفعيل الاسواق اي ان تضمن وجود دولة القانون مما يحفز الاستثمار الاجنبي. هكذا يري صندوق النقد الدولي ان السعي الي تطوير حسن الادارة يسهم بآن واحد في مكافحة الفساد وخلص نائب المحافظ في مداخلته الي القول بانه اذا اردنا مكافحة الفساد بفعالية علينا ان نواجه هذه الآفة بشجاعة ونجد لها حلا جذريا وينطوي هذا التحدي علي ارساء نظام مزدوج الهدف قائم علي الشفافية والمسئولية فالهدف الاول هو منع الغش بجعل الفساد عملا ذا مخاطر مرتفعة وارباحا ضئيلة والهدف الثاني هو معاقبة الغش دون هوادة عند ظهوره لان الافلات من العقاب هو نقيض النزاهة.