حين أعاود قراءة تصرفات الولاياتالمتحدة في هذه الأيام أجد أن خطواتها تبدو ككائن قوي للغاية، ولكن هناك صغاراً استطاعوا الإفلات بين قدميه وربطوا فردتي الحذاء التي يتحرك بهما مع بعضهما البعض، فمضي القوي بلا حدود يتخبط وينكفئ علي وجهه ثم يعاود الوقوف علي قدميه دون أن يلتفت إلي أن الحذاء الذي يوجد في أقدامه قد تم ربط فردتيه معا، وحين يعاود السير مرة أخري فهو ينكفئ علي وجهه من جديد. فمنذ أن دخلت الولاياتالمتحدة حربها مع ما تسميه الارهاب، حتي فوجئت أن أفغانستان ليست دولة لها مؤسسات وأن طالبان ليست حركة سياسية يمكن تفكيك مفاصلها، لأنها حركة قامت باستغلال واستنزاف المشاعر الدينية لقبائل تقدس كل ما يأتي باسم الإسلام، وأن الصواريخ لم تحقق سوي سيطرة ظاهرية علي كابول العاصمة، بدليل أن كل القوات الدولية الموجودة حاليا تعاني من نوبات القتل العلني لجنودها ولا تستطيع تلك القوات الرد، وأن حركة طالبان وتنظيم القاعدة مازالا موجودين ومؤثرين في الحركة اليومية في أفغانستان، وأن كرازي ليس سوي دمية تتحرك في العاصمة الافغانية داخل مربع يتشابه مع صندوق جهاز التليفزيون لا أكثر ولا أقل. وحين دخلت القوات الأمريكية إلي بغداد بدعوي نزع اسلحة الدمار الشامل، ولم تستطع السيطرة علي العراق أعادت من جديد حكاية الحرب علي الارهاب مما اتاح لتنظيم القاعدة الانتقال جزئيا من افغانستان إلي العراق، وتم استغلال الفوارق الهشة بين المذاهب الإسلامية مع الجوع الذي انتشر بشكل غير مسبوق في العراق، وصارت تلك التعقيدات هي المناخ الذي أوجد الارهاب بالفعل في ارض العراق، ومن بعد ذلك جاء شعار الفوضي البناءة كي يؤسس ما قيل عنه ضرورة زراعة الديمقراطية في الشرق الأوسط، فجاءت انتخابات فلسطين بنجاح لحركة حماس، ثم جاءت حرب اسرائيل مع حزب الله لتوسع من دائرة نفوذ حزب الله وتصيب اسرائيل بجرح يصعب الشفاء منه. وأخيرا جاءت السيدة كونداليزا رايس لزيارة المنطقة كي تسمع وتتعلم من جديد أن الفوارق الثقافية بين ما تضعه الأجهزة الأمريكية من تصورات وقد دارت السيدة كوندي بين العواصم العربية وكأنها تزور أراضي لا تعرفها، وهي حقيقة ارض مجهولة التضاريس الثقافية بالنسبة لأمريكا وأن السيطرة المذهبية لأفكار المسيحية الصهيونية تتشابه تماما مع الخطوط العريضة لأفكار التعصب التي استفزها التواجد الأجنبي علي الأرض المسلمة، ولكن قوات الميليشيات التابعة لحركات التعصب المرتدي لمسوح الدين أكثر قدرة علي اصابة القوات الأمريكية في أكثر من مقتل، وليس أدل علي ذلك من أن كل المائتي وخمسين ألف جندي أمريكي لم تستطع توفير الحماية لطائرة السيدة كوندي وهي تهبط في مطار بغداد. وأظن أن هناك مفاوضات يمكن أن تجري بين الولاياتالمتحدة وبين "عزة الدوري" خليفة صدام في قيادة العديد من شباب حزب البعث المطرود من جنة الحياة اللائقة في العراق، فلا أحد بقادر علي تهدئة هذا السعار الملتهب في بغداد. إنها تفاصيل ثقافية صغيرة تتراكم لتصنع هوة لا يمكن ردمها بمزيد القوات الأمريكية لأن نسيج العراق الكبير يحتاج من جديد إلي قبضة كقبضة صدام حسين حتي ولو اخذت شكلا ديمقراطيا يحمي كرامة الولاياتالمتحدة المرهقة والمدلوقة علي أرض العراق. منير عامر