كتب إلهامي شوقي: ترجح جميع الأحداث الأخيرة أن الاتحاد الروسي عازم علي استعادة قوته وثقله القديم الذي كان يتمتع به في حقبة الاتحاد السوفييتي السابق.. إلا أن المدخل في هذه المرحلة لا يأتي من القوة العسكرية أو التحالفات الاستراتيجية ومناطق النفوذ، وإنما يأتي في المقام الأول في فرض روسيا هيمنتها في اَسيا وشرق أوروبا الوسطي بوصفها القوة البترولية الأعظم في المنطقة التي تتحكم في أكبر مخزونات للبترول خصوصا الغاز في العالم. وتشير جميع المؤشرات إلي صحة هذا الرأي بدءا من إجبار أكبر شركة روسية علي الإفلاس وهي شركة يوكوس وسجن مؤسسها ورئيسها التنفيذي بحجة التهرب من الضرائب وبالتالي السيطرة عليها كليا، تأتي بعد ذلك أزمة الغاز الطاحنة بين روسيا وأوكرانيا في العام الماضي عندما قطعت موسكو إمدادات الغاز عن كييف وتعللت موسكو بتخريب المتمردين للخطين اللذين ينقلان الغاز إلي أوكرانيا أو عبر أراضيها إلي مناطق أخري في غرب وشرق أوروبا، وقبلها كانت روسيا قد اتهمت أوكرانيا بسرقة الغاز الروسي الذي يمر عبر أراضيها وبالقطع تضع موسكو نصب أعينها خروج أكبر حلفائها السابقين من قبضتها بعد قيام الثورة البرتقالية التي أتت برئيس موال للغرب. وقبل أيام قبضت جورجيا وهي إحدي الجمهوريات السوفييتية السابقة أيضا علي 4 ضباط روس بحجة تسريب معلومات ثم قامت بتسليمهم إلي منظمة التعاون الأوروبي، وقامت روسيا بإجراءات انتقامية حيث فرضت حظرا علي جورجيا يتمثل في قطع وسائل المواصلات الجوية والسكك الحديدية والخدمات البريدية. ومن المعروف أن هناك أكثر من مليون جورجي يعملون في روسيا وتمثل تحويلاتهم 10% من الناتج المحلي الإجمالي لجورجيا، كما قامت بترحيل 250 جورجيا إلي بلادهم بحجة الإقامة غير الشرعية. وتبرر روسيا ذلك بأن جورجيا تقوم ببناء اَلتها العسكرية ومساعدة الانفصاليين في أوستيا الجنوبية وأبخازيا لمواجهة روسيا. ليس ذلك فقط بل إن روسيا أوقفت العمل والتصدير من حقلي ساخلين 1 وساخلين 2 وهما أكبر حقلين للبترول في العالم وحظرت علي الشركات الأجنبية صاحبة حقوق الامتياز تصدير البترول من هذه المناطق رغم وجود عقود بالمليارات مع رويال داتش شل وايكسون موبيل الأمريكية وتوتال الفرنسية ليدخل الكرملين بذلك في مرحلة صدام حاد مع هذه الشركات العملاقة التي قد تجد بعض مديريها وهم يرون ما يحدث كما لو كان نوعا من التأميم ولكن بأسلوب ملتو. ومع كل هذه المؤشرات يتضح نوايا الدب الروسي في استعادة سيطرته علي موارده البترولية واستخدامها كورقة ضغط لفرض النفوذ السياسي والتحالفات الاستراتيجية. فقبل قيام الثورة البرتقالية في أوكرانيا كانت روسيا تمدها بالغاز بسعر بخس ولكن بعد قيامها تتفاوض جازبروم لزيادة السعر بمعدل أضعاف السعر المقرر في الماضي والهدف قد يبدو معلوما، فمع رفع الأسعار سيشعر المواطنون بغلاء المعيشة بما يصعب معه أن تصمد أي حكومة مع تردي الأوضاع الاقتصادية وبما يدعم التيار السياسي الموالي لروسيا ومع انشغال الولاياتالمتحدة وحلفائها بما يسمي الحرب علي الإرهاب وما تتكبده هذه الدول من تكاليف باهظة لن يكون من اليسير عليها أن تدعم كل هذه الدول لاستقطابها خصوصا بعد الارتفاع الحاد والأسعار المتقلبة للبترول والغاز كما أنه منغمس في حروبه وصراعاته وليس في وضعية لمواجهة مخططات روسيا. كما تعلم روسيا جيدا الاستراتيجية الأمريكية الرامية إلي تقليل الاعتماد علي واردات البترول من الشرق الأوسط فضلا عن وجود مشكلات متعددة في مناطق إنتاجه بنيجيريا وحوض النيجر وإيران التي ربما تواجه عقوبات بسبب برنامجها النووي.. يضاف إلي ما سبق موقف فنزويلا المناويء للغرب والموالين له لذلك يمكن القول بأن الساحة ممهدة لروسيا لتحقق أهدافها باستخدام أوراق ضغط اقتصادية للوصول إلي أهداف سياسية علي رأسها بسط السيطرة اقتصاديا علي وسط اَسيا وشرق أوروبا كما هو الحال في عهد الستار الحديدي. وبما يؤكد ويدعم وجهة النظر السابقة ما ذكرته صحيفة فاينانشال تايمز أن جازبروم أكبر مجموعة روسية للغاز تسعي إلي تطوير حقولها للغاز وتعد من أكبر الحقول في العالم بدون شريك سواء أجنبيا أو محليا. وقالت الشركة في بيان لها إنها ستسعي إلي تطوير حقل "شتوكمان" للغاز الطبيعي في بحر بارنتس وذلك دون الاستعانة بأي شركات أجنبية محلية أو دولية وهي خطوة بالتأكيد ستصيب شركات البترول الدولية بالأسي ويعد الحقل الذي تبلغ تكلفة تطويره 20 مليار دولار واحدا من أكبر حقول الغاز في العالم التي لم يلحق بها أي تطوير. وتستحوذ روسيا علي 82.47 تريليون متر مكعب من الغاز وهو ما يمثل 6.26% من إجمالي الاحتياطيات الدولية. وكما لديها 4.74 مليار برميل من الاحتياطيات البترولية المؤكدة وهو ما يمثل 2.6% من الإمدادات العالمية من البترول.