قبل عدة سنوات وفي عهد الرئيس الراحل أنور السادات فإنه بدأ خطوات الاتجاه نحو الصحراء لتحقيق أحد الأحلام التي كان يعد بها والمتمثلة في أن يكون لكل شاب من شباب الخريجين مزرعة صغيرة ومنزل بداخلها وجرار زراعي لأداء عمله. وذهبنا مع الرئيس السادات لتغطية أحد مشروعات الخريجين في منطقة التكامل في صحراء لم يكن يبدو أن هناك نهاية لها حيث أقلتنا الي هذه المزارع طائرات الهليوكبتر ولم نعرف كيف يمكن الوصول الي هذه المزارع برا..! وأتي الرئيس واستغرقت الزيارة ساعة أو ساعتين وتذوق بعض المنتجات الزراعية مبديا اعجابه بحلاوتها ومهنئا أبناءه من الخريجين علي هذا الانجاز وانصرف! ولم نسمع بعد ذلك أبدا عن هذا المشروع الذي لم يأت ذكره بعد ذلك في الصحف ولا غمر انتاجه الأسواق كما كان متوقعا..! ومؤخرا التقيت بأحد هؤلاء الخريجين الذي أصبح "جدا" الآن ليقول ان احدا لم يستمر في المشروع بعد ذلك لأن صوت الذئاب والكلاب المفترسة كان مخيفا ومرعبا وكانت الذئاب تدق أبواب البيوت الخشبية بقوة اثناء الليل بحثا عن فريسة لالتهامها ولم يكن هناك خريج واحد يملك بندقية عادية أو بندقية صيد يطلقها ليخيف الذئاب ولم يكن هناك بالطبع لا نقطة شرطة ولا عسكري واحد..! والآن مازالت نفس الحكاية مستمرة وبشكل آخر مع الخريجين الذين لايجدون رعاية ولا اهتماما كافيا ويشعرون انهم سينقلون الي الدار الآخرة قبل ان تتاح لهم الفرصة لأن يكونوا ملاكا للأراضي التي استصلحوها والتي عقدوا عليها آمالهم وأحلامهم..! فقد تلقيت رسالة غريبة وعجيبة عبر البريد الالكتروني من مجموعة من الخريجين الذين حصلوا علي أرض زراعية بدلا من الوظيفة. وفي هذه الرسالة يقولون ان الخريج لا يستطيع ان يحصل علي عقد ملكية نهائي للارض الا بعد خمسة وثلاثين عاما من تسلمه الارض، حيث ان ثمن الارض يدفع في ثلاثين عاما كما ان هناك فترة سماح وبالتالي لا يحصل الخريج علي عقد الملكية الا بعد كل هذه المدة.! وقد يكون ذلك مقبولا ومنطقيا ومعقولا لو ان الارض بالتقسيط، فلا يمكن تسليم عقد الملكية النهائي الا بعد سداد كامل قيمة الارض، ولكن غير المعقول وغير المقبول ان يقوم الخريج بسداد قيمة الارض دفعة واحدة ولايسمح له بالحصول علي عقد ملكية نهائي..! ويضيف هؤلاء في رسالتهم انه بعد 35 عاما سيكون 95% من الخريجين علي الاقل قد توفوا الي رحمة الله..! وهم يتساءلون عن السبب الذي يمنع وزارة الزراعة في نقل الملكية لمن يدفع كامل الاقساط، اذ ان وزراة الزراعة ستحصل بهذا الشكل علي حوالي 700 مليون جنيه تستطيع ان تستخدمها في استصلاح اراض اخري..! ومن حق هؤلاء الشباب ان ينزعجوا فعلا إذ أن عددا منهم قد توفوا بالفعل نتيجة للحوادث التي وقعت لهم في العمل ولم يسمح لورثتهم ايضا بالحصول علي عقد ملكية نهائي حتي لو دفعوا ثمن الارض دفعة واحدة، ولذلك فهم يريدون الاطمئنان علي مستقبل اسرهم واولادهم من بعد ان افنوا عمرهم في رعاية هذه الارض وزراعتها وعقدوا الامال عليها..! وحقيقة لا ندري ما الذي يمنع وزارة الزراعة من نقل الملكية لمن يدفع ثمن الارض كاملا نقدا، وما الذي يمنع تقديم انواع من التسهيلات والضمانات والتطمينات لهذا الشباب لكي يعمروا فعلا الصحراء وتصبح خضراء..، والي متي سنظل نطلق شعارات تدعو الي الاهتمام بالشباب ودعمه وفتح كل المجالات امامه بينما نقوم بتحجيمه وسد كل الطرق امامه بالقروض والعراقيل الادارية حتي يصبح مكبلا طوال حياته كما يفعل الصندوق الاجتماعي الذي يمنح قروضا لانشاء مشروعات لشباب الخريجين ويجعلهم في قبضته بقية سنوات عمرهم.. إننا يجب ان نحاول ايجاد مخرج لازمة هؤلاء الشباب وان يكون هناك اسقاط لبعض القروض عنهم لتشجيعهم علي الاستمرار في هذه الاراضي والاقامة بهذه التجمعات الجديدة والبحث في آفاق مختلفة للعمل والابداع بعيدا عن الوظائف الحكومية والاعتماد علي الحكومة لحل ازماتهم ورسم خطوات مستقبلهم..!