من يتابع البيانات التي يصدرها حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله طوال المعارك الطاحنة التي دخلتها المقاومة اللبنانية ضد الغزو الإسرائيلي للبنان، يدرك تماما أن المعركة ليست معركة دينية أو مذهبية ولكنها في واقع الأمر جزء من حركة التحرر الوطني المعادية للاستعمار والصهيونية. لذلك يعجب الإنسان ويهرش مؤخرة الرأس كثيراً وهو يتابع هؤلاء الكتاب أو الكتبة، أو هذا المسئول في ذلك البلد أو ذاك الذي يحاول إضفاء الصيغة الدينية علي تلك المعارك وكأنها معركة ضد الإسلام يقودها اليهود في إسرائيل والمسيحيون في أمريكا، أو انها مجرد محاولة شيعية تمتد من إيران وسوريا وحزب الله للسيطرة علي المنطقة في مواجهة النظم السيئة الوهابية الراكدة أو الراكضة. حزب الله وزعيمه حسن نصر الله يعلن مرارا وتكرارا أنه جزء من نسيج الأمة اللبنانية التي تتشكل من أديان ومذاهب مختلفة ويقول الشيخ حسن صراحة إنه يناضل باسم الأمة اللبنانية بجميع فصائلها ضد غزو إسرائيلي بربري تسانده الولاياتالمتحدةالأمريكية ضمن مخطط استعماري واضح لغرض السيطرة والهيمنة الكاملة لأمريكا علي المنطقة بأكملها. وحينما قمت بزيارة جنوب لبنان ضمن وفد منظمة التضامن الآسيوي الإفريقي في أواخر التسعينيات وقبل الانسحاب الإسرائيلي من الشريط الحدودي طاف بنا الشيخ حسن بعدد من القري في تلك المنطقة التي حباها الله جمالا جغرافيا متجددا أقام فيها أيضا لبنانيون عظام يستحقون التحية والتقدير والاكبار، زرنا قانا التي كان قد مر علي مأساتها أكثر من عام مجزرة قانا الأولي كانت في صيف سنة 1996 وزرنا قري يسكنها أغلبية مسيحية، وقري يسكنها سنيون وروم أرثوذكس، واجتمعنا مع عدد من قيادات الأحزاب المختلفة في تلك المنطقة، وفوجئنا بأنهم كلهم يتحالفون مع حزب الله ويشيدون بدوره الرائد في ضمان الأمن لهم، الأمن السياسي والأمن الاجتماعي والأمن العسكري وعرفنا من كريم مرة الزعيم الشيوعي اللبناني والذي كان معنا في تلك الجولة ان الشيوعيين والقوميين والمنتمين إلي أحزاب مسيحية أخري مثل الكتائب اللبنانية وحزب الأحرار الذي يقوده نجل كميل شمعون كلهم يتحالفون مع حزب الله ويدخلون معه في جبهة واحدة لتحرير الجنوب. وعندما عدت من لبنان أيامها كتبت عددا من المقالات حول هذا المعني دفاعا عن حزب الله كفصيل من فصائل حركة المقاومة العربية ضد الاطماع الصهيونية والاستعمارية مواجها بالوثائق والأدلة حملة مسعورة كان يقودها رئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة مجلة أسبوعية معروفة في ذلك الوقت وتحت دعوي ان حزب الله حزب شيعي متطرف وعميل لإيران، وهذا ما ردده للأسف بعض القيادات الحاكمة في العالم العربي الذين اعتبروا ان كل مهمتهم هي محاربة ما يسمونه بالمؤامرة الشيعية ضد العالم السني واشترك في هذا العزف المختلف قادة وهابيون وقادة سنيون وقبل كل هؤلاء زعماء القاعدة وطالبان ابتداء من أسامة بن لادن وحتي أيمن الظواهري والملا عمر والزرقاوي. والغريب أن بعض الكتاب أو الكتبة الذين عاشوا وتربوا في أحضان النظام العربي القائم وعمل بعضهم في بعض الدول والإمارات الخليجية وأنعم الله عليهم بالكثير من أموال البترول وخيراته، يتحدثون الآن علي أن المعركة الحالية هي مؤامرة ضد الإسلام والدين، ويذهب كاتب سلطة سابق وكاتب معارضة لاحق ويطلقون عليه الكاتب الإسلامي ويقول في صحيفة قومية إن اليسار واليسار الاشتراكي بشكل خاص غير متحمس للمعارك التي يخوضها الشعب اللبناني وحزب الله لأنه يتخوف من الاتجاهات الدينية. ويطلق هذا الكاتب الإسلامي المزعوم الذي تربي في أحضان السلطة هنا وهناك، وقدموه علي أنه كاتب إسلامي معتدل وألبسوه ثوب المعارضة، ليتبني نظرية أن الحروب الدائرة هي حروب دينية وأنها حملة منظمة من أمريكا وإسرائيل لضرب الإسلام. وكاتب آخر كان من المفروض انه محسوب علي التيار القومي يبرز دائما دور الإخوان المسلمين في النضال ويهاجم اليسار واليسار الاشتراكي العلماني بشكل خاص تحت مزاعم عدم حماسه للدخول في تلك الحرب الدينية التي تشتعل علي الأراضي اللبنانية والأراضي الفلسطينية. وكلاهما أي كاتب السلطة الذي تربي في أحضان إمارة بترولية وألبسوه ثوب المعارضة الإسلامية المعتدلة، والآخر أي الكاتب الذي يزعم دائما انه من الاتجاه القومي، لم يعد لهما مهمة فيما يجري حولنا من مؤامرة استعمارية صهيونية للسيطرة والهيمنة سوي الحديث عن انها معركة دينية وان اليسار الاشتراكي العلماني غير متحمس لها.. يالخيبتكم العظيمة، هل عرفتم ان هناك كتائب من الحزب الشيوعي اللبناني تحارب جنبا إلي جنب مع مقاتلي حزب الله، وهذا ما أعلنه الحزب الشيوعي اللبناني وما أكدته مصادر حزب الله، وهل عرفتم ان التحالف بين حزب الله والحزب الشيوعي اللبناني كان قائما طوال العقد الماضي والاشتراك في المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية. وهل سمعتم عن بشري فتاة الجنوب المناضلة التي بقت في سجون إسرائيل أكثر من سبع سنوات ثم افرجوا عنها بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، انها مثلما قالت تنتمي إلي الاشتراكية وحزبها الشيوعي، وهل عرفتم ان هناك تحالفا بين حزب الله والجنرال عون وبينه وبين غالبية القوي الوطنية في لبنان سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين هل سمعتم هوجوشافيز رئيس جمهورية فنزويلا في حديثه مع قناة الجزيرة وهو الذي يعتز بمسيحيته مثلما قال بعلن طرد السفير الإسرائيلي من كاراكاس احتجاجا علي العدوان البربري الهمجي الذي تشنه إسرائيل وأمريكا علي لبنان، وهل سمعتم حديثه عن كاسترو أستاذه ومعلمه وعن موقف الأحزاب الاشتراكية في أمريكا اللاتينية. هل سمعتم عن موقف الأحزاب الشيوعية الاشتراكية في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وهي تدين العدوان الإسرائيلي وتدين المشروع الأمريكي للسيطرة والهيمنة علي الشرق الأوسط، وتقود المظاهرات في بلادها احتجاجا علي المجازر التي تقوم بها إسرائيل في لبنان. أما ذلك الأخ القومي الذي نصب نفسه مدافعا عن الإخوان وعن الأمريكان أي والله وتحفل صحيفته الأسبوعية بأناشيد الاطراء العلني للإخوان والاطراء الخفي للأمريكان والذي جعل من الإخوان القوي الوحيدة التي حاربت في الماضي ضد الصهيونية وزعم انها تحارب الآن في لبنان، فهو ينسي ان القوي الاشتراكية والشيوعية في العالم هي التي ساندت ومازالت تساند حركات التحرر وعلي رأسها حركة التحرر العربي، وهو لا يعرف طبعا وان كان يعرف فهو لا يريد الاعتراف بأن الشيوعيين والاشتراكيين العلمانيين المصريين والعرب كانوا دائما في طليعة المناضلين ضد الاستعمار بالقول وبالسلاح، ولعله لا يعرف ان الذي قاد المقاومة الشعبية الباسلة في بورسعيد سنة 1956 أيام احتلال الإنجليز والفرنسيين لها كانوا من الشيوعيين المصريين منهم يوسف ادريس وعبد المنعم شعلة، وكذلك في السويس سنة 1973. أيها الزملاء والكتاب لا تسبحوا في تيار خطر وتلبسون المعارك الدائرة الآن بين الشعب العربي ضد الصهيونية والاستعمار ومن أجل الديمقراطية والتحرر ثيابا دينية لانكم بذلك تحققون اغراض الاستعمار والصهيونية سواء كان ذلك بمشيئتكم وعلمكم أو بدون علمكم. وما يجري الآن علي الأراضي اللبنانية والفلسطينية هو تواصل للنهج الاستعماري في محاولة السيطرة والهيمنة علي مقدرات الشعوب واستنزافها وتواصل لتراث المقاومة الجماهيرية والشعبية التي انتصرت في فيتنام وكوبا وفنزويلا وجنوب إفريقيا.