إذا كان كولن باول وزير خارجية أمريكا السابق قد بشر في سنة 2003 بشرق أوسط جديد عندما أعلن قبل اجتياح العراق بأن أمريكا ستدخل العراق لتنطلق منه صوب تغيير خريطة الشرق الأوسط بما يعزز مصالحها ومصالح وحلفائها، فلقد عادت كونداليزا رايس اليوم وعشية وصولها إلي المنطقة الاثنين الماضي لتتحدث عن شرق أوسط جديد ولكن من خلال لبنان هذه المرة وكأن الحرب قد باتت هي الأداة لإعادة صياغة المنطقة وترتيب أوراقها..! * مشروع مشترك.. تأكد بذلك أن لبنان هي المحطة الثانية المستهدفة بعد العراق في سلسلة المخطط الأمريكي الاسرائيلي للمنطقة وتمثل إسرائيل الحليف الذي تحرص أمريكا علي مصالحه لاسيما وهي الابنة المدللة للقوي العظمي بدأ المشروع المشترك أو المخطط بالعراق فدمر وأخرج من الحلبة العربية وكان سقوطه وتدميره خدمة مباشرة وهدية كبري لإسرائيل ثم جاءت حرب لبنان اليوم لتكون أداة لصنع شرق أوسط جديد علي جماجم الموتي ولهذا سارعت أمريكا فدعمت التصعيد العسكري الإسرائيلي بشكل مطلق عسكريا ولوجستيا وسياسيا ولا غرابة فلقد أعلنتها إدارة بوش مرارا أمن إسرائيل من أمن أمريكا وتحالف الدولتين تحالف استراتيجي فحض. تفويض بشن الحرب الغريب هو موقف المجتمع الدولي الذي انساق وراء أمريكا وأعطي إسرائيل تفويضا بشن حرب شرسة علي لبنان كان الهدف هو تنفيذ القرار 1559 الصادر في سبتمبر سنة 2004 بعد أن فشلت الحكومة اللبنانية في تنفيذ المهمة الجدير بالذكر أن القرار المذكور هو الذي ساهمت أمريكا وفرنسا بتمريره في مجلس الأمن من أجل اجبار سوريا علي الانسحاب من لبنان وهو الانسحاب الذي تم بالفعل في ابريل سنة 2005 في أعقاب اغتيال الحريري في 14 فبراير 2005 ولم ينبع اغتيال الحريري من فراغ بل كان البداية لمؤامرة حيكت بدقة من أجل الصاق الاتهام بسوريا وتكثيف الضغط عليها وابعادها عن لبنان توطئة لاعادة ترتيب الوضع فيه بما يخدم إسرائيل والأجندة المشتركة مع أمريكا. * لماذا اغتيل الحريري؟ فضلا عن اصطياد سويا من خلاله فإن اغتيال الحريري أريد به اشعال الفتنة بين اللبنانيين واحداث حالة انكسار لاستحداث مناطق جديدة مليئة بالتشنج والخلاف وايجاد حالة من عدم الاستقرار بشكل يؤدي إلي توسيع نطاق التدخل الدولي وجعل لبنان نهبا للشروط الاسرائيلية، جاء موت الحريري في فترة حساسة كان فيها لبنان أحوج ما يكون إلي جهوده لرأب الصدع وحسم قضايا استراتيجية وسياسية كانت موضع خلاف حاد بين اللبنانيين بعد التمديد للحود وظهور فريق الموالاة وفريق المعارضة ولا غرو فلقد كان الحريري عامل توازن ومنطقة أمان وجسرا قويا وضمانة لإعادة التوافق الداخلي للخروج من أزمة حادة كان لبنان يعيشها وقتئذ بل إن الحريري اغتيل لمواقفه فلقد كان ضد نزع سلاح المقاومة وهو ما أكد عليه قبل اغتياله عندما قال: إذا عدت إلي رئاسة الحكومة فلا يمكن أن أوافق علي نزع سلاح المقاومة ولا يمكن الدخول فيها بلغة الاجبار. شبكة الموساد لاشك أن اغتيال الحريري أعطي دفعة قوية لتحريك قرار مجلس الأمن ،1559 فانسحبت سوريا من لبنان تطبيقا لأحد بنوده، ولم تفلح جهود مجموعة 14 اذار في اقتلاع حزب الله فكان لابد أن توكل المهمة لإسرائيل من خلال عملية عسكرية تستهدف القضاء الكامل علي حزب الله فقط كان علي إسرائيل أن تنتظر الفرصة السانحة للقيام بالعملية. ومؤخرا وبصورة تلقائية أميط اللثام عن خيوط مؤامرة اغتيال الحريري عندما كشف الجيش اللبناني في الثالث عشر من الشهر الماضي عن تورط شبكة تعمل لصالح الموساد في عمليات اغتيال للبنانيين من حزب الله وفلسطينيين في الجهاد الإسلامي ليصدر قاضي التحقيق العسكري اللبناني بعد ذلك بيومين مذكرة توقيف بحق لبناني يدعي محمود رافع الذي أقر بتهمة التورط في عمليات تفجير واغتيالات وتجسس بطلب من الموساد الإسرائيلي الشبكة المذكورة تعمل في لبنان منذ ستة عشر عاما وليس مستبعدا أن تكون هي التي قامت باغتيال الحريري في العام الماضي. الجدير بالذكر أنه تم التعتيم علي الشبكة وقيل إن دولة كبري أمريكا بالطبع طلبت من حكومة السنيورة اغلاق الملف وعدم رفعه إلي الأممالمتحدة ليظل اغتيال الحريري لغزا يتم التعامل معه فقط من خلال لجنة التحقيق الدولية وجاء هذا ليؤكد الربط بين اغتيال الحريري وضلوع هذه الشبكة في تنفيذ الجريمة التي حاولت أمريكا ومن والاها الصاق الاتهام زورا وبهتانا بسوريا. خطايا بوش.. واليوم ومن خلال استقراء ما يحدث علي أرض الواقع تقول إن بوش هو أول من يجب محاسبته علي سياساته الخاطئة وعلي التفويض المفتوح الذي منحه لإسرائيل كي تعيث فسادا في المنطقة، ولكي تسعي لتوسيع رقعة عدوانها ولقد قالها قائد المنطقة الشمالية في الجيش الاسرائيلي: أمامنا فرصة تاريخية لتغيير الوضع علي الحدود الشمالية بعد سنوات طوال عشنا خلالها تحت التهديد.. لهذا بادرت حكومة ايهود أولمرت واتخذت قرارا بتغيير الوضعية في لبنان بما يخدم مصالحها ومصالح الشريك الأمريكي وهذا ما تتم ترجمته الآن علي أرض الواقع...!