الإصرار الأمريكي علي التخويف من "فزاعة" الإرهاب يتواصل كالعادة دفعا لتكريس فكرة ضرورة التدخل الأجنبي لحل الأزمة. وهي الفكرة التي تبناها البرلمان الصومالي المؤقت الذي وافق بعد دقائق من استيلاء قوات المحاكم الشرعية علي مدينة جوهر علي استقدام قوات أجنبية لحفظ الأمن في البلاد، رغم معارضة المحاكم لذلك. ولا شك ان الولاياتالمتحدة تسعي ضمن مخططاتها المعروفة للسيطرة علي القرن الإفريقي إلي التدخل في الصومال وإقامة نظام موال لها مثلما هو الحال في أفغانستان والعراق. إلا ان تجربتها السابقة في هذا البلد الذي وجه أبناؤه للعسكرية الأمريكية قبل عقد ونيف صفعة قاسية جعلتها تنسحب من هناك وهي تجرجر أذيال الخيبة، تفرض علي واشنطن التروي والتماس العون من قوي دولية أخري وفي مقدمتها فرنسا التي تهمها مصالحها في جيبوتي بوجه خاص، ويري محللون أن إيطاليا لن تتردد في المساعدة نظرا للتحالف الذي يربطها حاليا بالولاياتالمتحدة فضلا عن كونها إحدي الدول المستعمرة للصومال الجنوبي سابقاً. كما ينتظر ان تشارك دول أخري مثل ألمانيا. ولا شك ان أي تدخل دولي مقبل ستشارك في دعمه دول من الجوار الإفريقي ذات مصلحة مثل إثيوبيا وكينيا. فمن المعروف أن الدولتين الجارتين حريصتان علي التدخل في شأن الصومال لأسباب عدة. فكل من الدولتين داخلة علي حدة في صراع علي الأراضي مع مقديشيو، التي تتهم إثيوبيا بالاستيلاء علي إقليم الأوجادين "الذي يقطنه 5 ملايين مسلم، وقامت بريطانيا باقتطاعه من الصومال واعطائه لإثيوبيا عام 1954" كما تطالب باسترداد إقليم النفد الذي تحتله كينيا. ويري محللون ان إثيوبيا سارعت إلي تبني الشعارات الأمريكية المناهضة للإرهاب بهدف سلخ الصومال عن هويته العربية الإسلامية ودفعه "مثلما يستهدف مع جنوب السودان" إلي الانتماء الإفريقي، لتقطع عليه سبل التواصل مع دول شبه الجزيرة العربية علي الجانب المقابل من البحر الأحمر ومع دول الشمال الإفريقي خاصة السودان ومصر. وقامت إثيوبيا بالفعل باختراق الحدود الصومالية مرات عديدة بدعوي مطاردة القوات المعارضة للحكم في أديس أبابا. فضلا عن أن إثيوبيا باعتبارها دولة حبيسة تسعي لإيجاد منافذ لها علي ساحل البحر الأحمر خاصة في ظل حالة العداء مع إريتريا وإغلاق مينائي زيلع وبربرة في وجهها، فضلا عن صغر ميناء جيبوتي البديل، وارتفاع تكلفة النقل. أما كينيا، فتعاني من تهريب السلع الصومالية عبر حدودها وبيعها بسعر يقل عن السلع الكينية بسبب فرق الجمارك. وهو ما دفع الكينيين إلي إغلاق الحدود البرية والجوية مع الصومال عدة مرات خلال السنوات الأخيرة. هيمنة بالوكالة ولعل هذا الوضع الإقليمي هو ما دفع بعض المحللين إلي توقع أن تنأي الولاياتالمتحدة بنفسها عن التدخل المباشر في الصومال حتي "لا تحترق أصابعها" مرة أخري، والاستعاضة عن ذلك بتدخل قوي إقليمية حليفة لها تحقق لها الهيمنة بالوكالة. ولعل هذا أيضا هو ما دفع واشنطن إلي استبعاد الجامعة العربية من اجتماع مجموعة الاتصال الدولية الجديدة حول الصومال التي أنشئت بمبادرة أمريكية واجتمعت للمرة الأولي مؤخراً. وشكلت واشنطن المجموعة بعد إقرارها بفشل استراتيجيتها في دعم أمراء الحرب في مواجهة المحاكم الشرعية. وكان عمرو موسي الأمين العام للجامعة دعا إلي "التوقف الفوري" عن دعم أمراء الحرب الصوماليين. وحث موسي المجتمع الدولي علي ضرورة دعم الحكومة الصومالية الشرعية ومساعدتها علي إقرار الأمن والاستقرار في الصومال. وأعربت الجامعة عن استغرابها لعدم دعوتها إلي اجتماع مجموعة الاتصال الدولية الجديدة حول الصومال. وقال سمير حسني المسئول عن إدارة القرن الإفريقي في الجامعة العربية "تأمل الجامعة أن تعيد الإدارة الأمريكية النظر في فريق الاتصال ليشمل أهم اللاعبين الدوليين والإقليميين بالنسبة للمسألة الصومالية ومن بينهم الجامعة العربية والهيئة الحكومية للتنمية (إيجاد) ومنتدي شركاء إيجاد". وكانت واشنطن أعلنت الاثنين ان مجموعة الاتصال بشأن الصومال ستجتمع بمشاركة ممثلين عن الاتحاد الأوروبي والنرويج والسويد، وبريطانيا وإيطاليا وتنزانيا واليمن برئاسة مساعدة وزيرة الخارجية للشئون الإفريقية جانداي فريزر.