مع انحسار احتياطات البترول والغاز الطبيعي علي النطاق العالمي، فإنه ربما يكون تعويضها ممكنا من الناحية التكنولوجية، وليست الاقتصادية بأي حال، ذلك أن محاولة كهذه ستكون فادحة التكلفة، اعتماداً علي ما نراه اليوم من بلوغ سعر البرميل الواحد من البترول الخام 75 دولاراً، وهو سعر آخذ في الارتفاع والزيادة، ومن شأن هذه الحقيقة تعزيز قابلية بدائل الطاقة الأخري المتجددة، بسبب ارتباط تلك القابلية بسعر برميل البترول الخام في الأسواق العالمية، ويعني هذا أنه في حال انخفاض سعر برميل البترول عالميا - وهو أمر غير مرجح - فستنخفض قابلية وجدوي البحث عن مصادر الطاقة البديلة المتجددة، وفي المقابل وفيما لو ارتفعت أسعار البترول العالمي - وهو الاحتمال الأكثر ترجيحاً - فسوف ترتفع تبعا لها قابلية وجدوي البحث عن المصادر البديلة للبترول. والشاهد حتي الآن، أن أفضل البدائل الاقتصادية المتاحة للطاقة هي الطاقة الشمسية، وأوراق الأشجار والشجيرات القصيرة والأعشاب، وميزة هذه المصادر جميعا أنها تمتص ضوء الشمس وتحوله إلي عدة مواد عضوية، تتخذ شكل طاقة مختزنة من ضوء الشمس، وكما نعلم فقد كانت المجتمعات البشرية في عصور ما قبل التاريخ، تخرج للصيد من أجل الحصول علي الأسماك والحيوانات وكذلك لجمع الثمار وجذور النباتات. ثم جاءت مرحلة لاحقة تعلمت فيها البشرية تربية هذه الحيوانات وزراعة المحاصيل والثمار، وعلي رغم توقف الأجداد عن حرفة الصيد القديمة تلك،إلا أننا لا نزال نمارسها في مجتمعاتنا المعاصرة، ولكن بحثا عن الطاقة في غابات ظهرت إلي الوجود قبل ملايين السنين، أي اننا لا نزال نبحث عن البترول والفحم والغاز الطبيعي الكامن هناك. لكن بما أننا أصبحنا أكثر ثقافة الآن، فإن علينا أن نفعل الشيء ذاته الذي فعله أجدادنا في بحثهم في ذلك الماضي السحيق عن الطعام، أي زراعتهم للغذاء بدلاً من الخروج اليومي لصيده وجمعه وها قد حانت اللحظة التي ينبغي علينا فيها زراعة طاقتنا بدلا من الخروج والبحث المضني عنها يوميا. ومثلما أنشأ أجدادنا وأسلافنا ما سميناه بالأمس "مزارع الغذاء"، فإن علينا أن ننشيء اليوم ما يمكن تسميته ب "مزارع الطاقة"، والمؤكد أننا سنحصل علي حاجتنا من الطاقة، من خلال زراعتنا للنباتات، بدلا من انتظارها كي تنمو وتتحلل إلي فحم وبترول وغاز طبيعي عبر ملايين السنين، ثم نستخدم في سبيل استخراجها من باطن الأرض ومعالجتها كيميائيا، تكنولوجيا باهظة ومعقدة جدا! ولعل أوفر أنواع الطاقة التي يمكن انتاجها بواسطة البشر، هي كحول غاز الإيثانول أو في تسميته العملية الدقيقة كحول "البيو - إيثيل" والملاحظ في هذا الغاز اننا نستخدم كميات كبيرة منه سلفا، في مكونات الجازولين المستخدم اليوم، ويتكون هذا الغاز علي نحو رئيسي من أجزاء معينة من القمح إلي جانب تخمير المواد السكرية. وإلي جانب هذا البديل، هناك أيضا "البيوديزل" الذي يمكن الحصول عليه من فول الصويا وبذرة عباد الشمس وغيرهما، وجميعها أنواع مختلفة من الطاقة البيولوجية، وبهذا المعني، فإنه يمكن استخلاص البترول دون أدني حاجة إلي عملية التخمير، وما دامت قدرة بعض الدول في انتاج السكر أو القمح من أجل تخميرهما وتحويلهما إلي كحوليات مستخصلة بيولوجيا، وذلك بسبب ظروفها المناخية أو طبيعة تربتها، وما إليهما من عوامل زراعية، فإن مما يثير الاهتمام اليوم، ذلك التقدم العلمي الكبير الذي أحرز في مجال استخلاص الطاقة من المواد السيليوزية التي يوجد بعضها في نفايات الاخشاب وكذلك النفايات الجافة الناتجة عن المنتجات الزراعية. وفيما لو أمكن تحليل هذه المواد السيليولوزية بواسطة الإنزيمات إلي مواد سكرية يسهل تخميرها وتحويلها إلي غاز الايثانول، فعندها ستكون قد أزيلت الكثير من العوائق أمام الاستخدام الواسع لمنتجات الطاقة البيولوجية وفي سبيل اختبار هذه الامكانية، فقد أنشئت مشروعات رائدة لإجراء التجارب والاختبارات في هذا الشأن، مع ملاحظة أن النتائج المتحققة حتي الآن تعد مبشرة للغاية. ففي كل يوم يجري تخفيض التكلفة، تبعا لانخفاض تكلفة انزيم السليولوز بفضل استمرار ومثابرة البحث العلمي قليل التكلفة في هذا المجال. والجميل في استخدام الطاقة المستخرجة من النباتات الحية، أن أوراق النباتات نفسها تعيد امتصاص أي كميات من ثاني أكسيد الكربون تبث من الطاقات النباتية. وبذلك تتوافر لنا دورة لا تطرأ عليها زيادة أو نقصان في كمية ثاني أكسيد الكربون المبثوثة في الهواء وهذا يعني أنه لا سبيل لهذا النوع من الطاقة البيولوجية في المساهمة في زيادة الحماية الشاملة التي تنتج عن زيادة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء مع العلم بأن هذه الظاهرة تسببها عادة منتجات الطاقة الأخري. وبالطبع ندرك أنه ليس في مقدور دولة ما، تلبية جميع حاجاتها من الطاقة اعتمادا علي مصادر الطاقة البيولوجية أو الشمسية أو طاقة الرياح. ولهذا السبب فإنه لابد من اللجوء إلي خليط من مصادر وأشكال الطاقة، وفقا للظروف والخصائص المناخية والتضاريسية وسمات التربة الخاصة بأي من دول العالم المختلفة وعليه فإنه ليس غريبا أن نري استخدام طاقة الرياح والطاقة المائية في جزء ما من أجزاء الوطن نفسه، في حين نري استخدامات الطاقة البيولوجية في جزء آخر من نفس الوطن ليس ذلك فحسب بل ربما نري استخداما للطاقة الأخري القابلة للتعويض من الناحية الاقتصادية في جزء ثالث من الدول نفسها. لا نتحدث هنا عن حالة خيالية مستوحاة من قصص الخيال العلمي، إنما نشير إلي واقعة فعلية تحدث الآن في البرازيل، التي تحررت تماما من أي واردات نفطية. فقد تمكنت من إنتاج 6 ملايين سيارة تستخدم إما كحل غاز الايثيل الصافي، أو المخلوط مع الجازولين. وتعرف هذه السيارات باسم السيارات المرنة الطاقة فما أن تقود أي واحدة منها إلي أي من محطات التزويد بالوقود، حتي تري مضختين كتبت علي احداهما عبارة "كحول" وعلي الأخري "جازولين" علي الرغم من أن هناك نسبة 22% من غاز الايثاتول في مكونات الجازولين سلفا. وما أن يتم تزويد السيارة من كلتا المضختين، حتي يتكيف محرك الماكينة وفقا لكميات الجازولين والغاز المتوافرة لتحريكها وحتي هذه اللحظة فإن تكلفة جالون الغاز أقل بكثير من جالون الجازولين من بين التساؤلات التي تثار حاليا هي: إذا كانت دولة بحجم البرازيل قد تمكنت من الانتقال بهذه السرعة المذهلة إلي مصادر الطاقة البيولوجية، فما الذي يمنع دولة مثل الولاياتالمتحدة، القوة العظمي الوحيدة في العالم من فعل الشيء نفسه، بدلا من ادمانها غير المبرر للبترول الشرق أوسطي؟