كنز أثري كبير يعود بعضه إلي أبعد من خمسة عشر قرنا من الزمان يملكه دير السريان العامر بوادي النطرون، هو العدد الهائل من المخطوطات التي تضمها مكتبة الدير وأهمها مخطوط العهد الجديد باللغة القبطية وأنجيل يوحنا وهو من القرن الحادي عشر والعهد الجديد باللغة الآرامية إلي جانب ألفي مصنف ما بين مجلد كامل وأجزاء من مجلدات، معظمها مخطوطات نادرة تغطي الفترة من القرن الخامس وحتي القرن السابع عشر الميلادي ويرجع ثراء مخطوطات الدير ليس إلي قدمها فقط ولكن أيضا لتعدد لغاتها فهي بخمس لغات: القبطية والعربية والسريانية واليونانية والاثيوبية وأكبرها المجموعة السريانية التي خطها الرهبان السريان الذين أقاموا بالدير في منتصف القرن التاسع أما المجموعة القبطية وأقدمها يصل إلي القرن الحادي عشر وتضم كل نصوص انجيل القديس يوحنا وهو أقدم مخطوط لانجيل كامل في العالم باللغة القبطية. هذا الكشف الأثري العظيم الذي يضاف إلي كنوز مصر الكبري من الآثار يحتاج إلي تكاتف الجهود لانقاذه من العوامل المناخية التي أثرت إلي حد كبير في معظم المخطوطات الاثرية، ولولا الجهد الفردي الذي قام به القمص بيجول بالاضافة إلي المصادفة السعيدة التي تمثلت في حضور بعثة هولندية لترميم الرسوم الجدارية بالكنيسة الأثرية والتي ما إن علمت بالأمر حتي طالبت الكنيسة بالاتصال الفوري بمدام اليزابيث صاحبة أكبر مركز خاص لترميم المخطوطات الورقية في لندن، وكانت هذه بداية الخير فقد اهتمت وبداية بزيارة الدير في عام 1998 واقامت فيه اسبوعا شاهدت المخطوطات وقالت "لقد وضعت يدي علي كنز" ومنذ ذاك الوقت وشغلها الشاغل انقاذ هذا الكنز.. وفي عام 2002 كانت قد انتهت من تأسيس مؤسسة خيرية لتتولي جمع التبرعات من كل العالم لانقاذ تراث المخطوطات بدير السريان. إليزابيث سوبسيرنسكي هذه السيدة التي كان يجب الاهتمام بها من جانب الاعلام المصري ليتعرف عليها كل مصري يعتز بآثاره ويقدم لها التحية علي هذا الاهتمام الذي دفعها إلي الاستقالة وهي صاحبة أكبر مركز خاص لترميم المخطوطات الورقية في لندن وأسست مؤسسة قومية خيرية THE LEVANTINE FOUNDATIOM لتتولي جمع التبرعات من العالم لاثقال المخطوطات بدير السريان ومنذ عام 2002 يشارك معها مجموعة من رجال الأعمال البريطانيين واساتذة التاريخ والآثار بالجامعات البريطانية لوضع خطة لترميم وانقاذ المخطوطات وهي الخطة التي أعلنت في السفارة البريطانية منذ ثلاثة أسابيع ولم يسمع أو يري أحد عنها شيئاً وكأنها مهمة سرية.. أجهزة الاعلام والبيت بيتك سارعت إلي ملء الساحة الاعلامية بالضجيج.. وكأن هذا الحدث الفريد وهذا العطاء من الجانب الآخر لا يستحق منا إلا كل تجاهل؟! المؤسسة الخيرية التي أسستها اليزابيث لانقاذ هدا التراث فضلا عن إشرافها الكامل في المرحلة القادمة علي أعمال الترميم بخبرتها الفنية في هذا المجال وضعت خطة شاملة لترميم واعادة هذا التراث علي مدي خمس سنوات بتكلفة قدرها 5.810.000 جنيه استرليني.. بل واقامت حفلا في لندن يوم 7 يونيه الماضي تحدث فيه الخبراء عن علاقة المخطوطات السريانية الموجودة بدير السريان بالمخطوطات اليونانية وكشف النقاب عن أهمية مجموعة المخطوطات كمصدر بديل للتراث اليوناني المفقود إنها الترجمة الوحيدة بالسريانية عن الأصل اليوناني. أين نحن من كل هذا؟ إن أحد أسباب التقدم الثقافي هو أن تتابع الجهود في ترميم وصيانة الآثار حتي تنهض مصر حضاريا وثقافيا، وأرجو الا أفاجأ بالدعاية لخروج الآثار القبطية في معارض تجوب العالم لنحصد حصادا ضئيلا يحط من كرامتنا لانه حصاد ضئيل جدا بالمقارنة بحجم مصر كعاصمة عالمية للثقافة علي طول تاريخها.