رغم أن الصين تحب أن تكون معظم أرقامها كبيرة فإنها تحاول أن تقلل أحد هذه الأرقام بالذات وهو الرقم الخاص بحجم القروض المتعثرة والمعدومة التي تثقل كاهل البنوك الصينية.. وقد صدر هذا الشهر تقرير عن شركة الاستشارات والمحاسبة الكبري ايرنست اند يونج يخص هذه القروض كان بمثابة صدمة للسلطات المصرفية في الصين. وقد ذكر تقرير ايرنست اند يونج التي لها أعمال واسعة في الصين أن حجم القروض المتعثرة والمعدومة يناهز ال 911 مليار دولار أي نحو خمسة أمثال التقدير الذي أعلنته السلطات الصينية في مارس الماضي والذي يجعلها لا تتجاوز 164 مليار دولار. وتقول مجلة الإيكونوميست إن تقرير ايرنست اند يونج يؤكد أن البنوك الصينية الأربعة الكبري المملوكة للدولة التي تحاول جذب المستثمرين الأجانب لتملك أسهمها تتحمل وحدها عبء قروض متعثرة ومعدومة حجمها 358 مليار دولار أي ثلاثة أمثال التقدير الرسمي الصيني. وقد شن البنك المركزي الصيني هجوما عنيفا علي تقرير ايرنست اند يونج ووصفه بأنه تقرير سخيف ومضحك وعصي علي الفهم.. وأصيبت الشركة بالارتباك وسارعت إلي سحب تقريرها واصفة إياه بأنه يحتوي بالفعل علي أخطاء فنية وأنها ستقوم بمراجعته وستقوم بنشره من جديد بعد أن يخضع للمراجعة والتصحيح. والحقيقة أن رد الفعل القاسي الذي أبدته السلطات الصينية إزاء تقرير إيرنست اند يونج يمكن تفهمه.. فعلي الرغم من أن شركات استشارية أخري سبق أن نشرت تقارير عن حجم القروض المعدومة والمتعثرة في البنوك الصينية وقدرتها برقم يتراوح ما بين 300 و500 مليار دولار فإن تقرير ايرنست اند يونج بالذات يأتي في وقت حرج إلي جانب ضخامته غير العادية. فقد جاءت دفوع البنك المركزي الصيني في ذات اليوم الذي شهد تقدم بانك أوف تشاينا ثاني أكبر بنك في الصين للقيد في بورصة هونج كونج. ويأمل بانك أوف تشاينا الحصول علي 9.9 مليار دولار من أسواق المال العالمية وهو رقم يفوق ما سبق أن حصل عليه بنك التعمير الصيني عند تعويمه في أكتوبر الماضي الذي بلغ 2.9 مليار دولار.. كما يأمل بنك الصين للصناعة والتجارة جمع 10 مليارات دولار في سبتمبر القادم.. وتجدر الإشارة إلي أن ايرنست اند يونج هي شركة الاستشارات المحاسبية لهذا البنك الصيني وهو أمر يسبب الحرج للجميع. وتقول مجلة الإيكونوميست إن إقدام إيرنست اند يونج علي سحب تقريرها يعد رغم ذلك إجراء مبالغا فيه خصوصا أن التقرير لم يسجل القروض المعدومة والمتعثرة فحسب وإنما أضاف إليها ما هو متوقع من تعثر جديد في فترة الإسراف في الإقراض التي امتدت ما بين 2002 و2004.. والقروض المتوقع تعثرها تمثل معظم الفارق بين تقرير إيرنست اند يونج وبين التقديرات الرسمية. أضف إلي ذلك أن الصين دخلت فترة أخري من الإسراف في الائتمان حيث بلغ حجم القروض التي قدمتها البنوك في شهر ابريل الماضي وحده 317 مليار يوان "40 مليار دولار" وهو ضعف قروض شهر ابريل من عام 2005 أو يزيد وتقول الشواهد إن السلطات الصينية قد أمكنها بالفعل إعفاء البنوك من معظم هذه القروض المعدومة والمتعثرة ولكن البنوك الصينية لم تتحول بعد إلي مؤسسات إقراض رشيدة. والحقيقة أن تعجل ايرنست اند يونج بسحب تقريرها انصياعا للضغوط الصينية قد أضر بسمعتها كشركة استشارات محاسبية مستقلة ذات ثقة واحترام لدي عملائها.. أما السلطات الصينية فلن يجديها إنكار أن القروض المعدومة والمتعثرة لدي بنوك الصين أكبر من التقديرات الرسمية حتي لو كانت أقل من التقدير الذي نشرته ايرنست اند يونج في تقريرها.. ويجدر القول بأن هذا الإنكار يدمر مصداقية السلطات الصينية ويحد من قدرتها علي بيع القروض المتعثرة للمستثمرين الأجانب الذين يمكن اعتبارهم الفائز الوحيد في هذه الحكاية.