مصر دخلت عصر "ثقافة البلطجة" في الانتخابات ولن تخرج منها في الأجل القصير.. وإذا كنا قد توقفنا عند هذه الظاهرة بكثير من الدهشة والدراسة والبحث خلال الانتخابات البرلمانية، وكانت حديث الناس والإعلام، فإن ما حدث في انتخابات الغرف التجارية فصل آخر في هذا الملف، وصفحة أخري في هذا العصر الموصوم بالرداءة. ولم تكن البلطجة وحدها التي تثير الدهشة، بل أيضا حجم ما أنفق علي هذه الانتخابات، والتي تعكس إلي أي حد هناك أموال دائرة في المجتمع وتستخدم فيما لا يهم المجتمع. فقد تم انفاق ما لا يقل عن 5 ملايين جنيه علي انتخابات غرفة تجارة القاهرة بمفردها، والتي يتنافس 35 مرشحا للفوز ب11 مقعدا فيها، ولو احتسبنا في المتوسط 5.2 مليون جنيه انفاقا في كل غرفة من الغرف ال22 الباقية بعد استبعاد أربع غرف فازت بالتزكية، يصل إجمالي حجم ما أنفق في هذه الانتخابات نحو 60 مليون جنيه. والسؤال: لماذا كل هذه الأموال وماذا ينتظر التاجر الذي ينفق كل هذه الأموال؟ ولماذا تلك الصراعات التي تستخدم فيها كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة؟ بعض التجار خاصة من المرشحين يجيبون بأن المنافسة مشروعة وهي مؤشر إيجابي في حد ذاته علي المشاركة في الحياة العامة، للدفاع عن مصالح التجار والرغبة في اتخاذ القرارات بما يفيد هذه الفئة.. هذا جيد، لكن هذه ليست كل الحقيقة! فعضوية الغرف التجارية ينظر إليها "كبرستيج"، وكارنيه العضوية يفتح الأبواب الموصدة، فهو بمثابة الحصانة، ويمكن بفضلها تسهيل النشاط وحل المشكلات، ومقابلة المسئولين وكبار الموظفين.. بداية من المحافظ ورئيس الحي وصولا إلي الوزراء، إضافة إلي أن العضوية يمكن أن يكون لها مفعول السحر لدي مأموريات الضرائب. أما التسهيلات الأخري والامتيازات فليس آخرها فرص السفر للخارج مع الوفود التجارية، وفي صحبة الوزراء، سواء في رحلات تقام خصيصا أو ضمن اللجان العليا المشتركة وما ينتج عنها من صفقات وبيزنس. وطبعا.. للسفر سبع فوائد؛ خاصة إذا كان علي حساب اتحاد الغرف وليس من الجيب الخاص! وهناك من المرشحين من يعتبر انتخابات الغرف "بروفة" لانتخابات أخري قادمة، كالمحليات، أو مجلس الشعب، أو الشوري، أما من سبق لهم خوض "البروفة" وفشلوا فيها ، فانهم يبحثون عن المقعد في الغرف بما يمثله من اثبات للنفس وتعويضا للخسارة السابقة. ولم يعد الناس ينطلي عليهم مقولات وخطب تروج للدعاية بمنطق الخدمة العامة، فالأموال التي تنفق بهذا التوسع وهذا الحجم لابد ان تسترد بشكل آخر واتحاد الغرف هو "المنجم" الذي يقتسم فيه البيزنس بين الكبار ويكفي الوصول الي المعلومات في الوقت المناسب والوصول الي المسئولين في كل وقت حتي تتحقق الثروات. ولعل الظاهرة الملحوظة في هذه الانتخابات تحديدا هي دخول جماعة الإخوان كلاعب رئيسي، وهذا استمرارا لقرارهم بخوض جميع الانتخابات سواء المهنية او البرلمانية او المحليات ورصيدهم يزداد عند عامة الناس؛ لأن المهم عند الغالبية العظمي ليس المحتوي السياسي الذي يقدمه هذا المرشح او ذاك بل الامل في التوزيع الاكثر عدالة لكل شيء، وهذه الغالبية تعلم ان استمرار مجموعة تمثل الحزب الوطني او قريبة من السلطة ومن الحكومة في مجالس الغرف، لم تحقق المنفعة لعامة التجار بل لحفنة فقط منهم لكن ما وراء الامل والحلم والتكتيك السياسي لجماعة الإخوان هو خافٍ علي معظم من يساندونهم في هذه الانتخابات؛ إذ إن الظاهر يقتصر علي شعارات دينية إسلامية تبشر بمستوي أخلاقي وديني مرغوب فيه تجذب الناس. شراء الأصوات كان سمة واضحة في انتخابات التجار وأبسط طريقة تمثلت في تكفل المرشح بدفع اشتراكات الاعضاء، وهي تتفاوت من مئات الجنيهات الي الآلاف حسب حجم نشاط كل تاجر مقابل التصويت لصالحه. أما قصة التلاعب والتزوير والفساد فكانت في التوكيلات والتفويضات.. وهذه ظاهرة خطيرة ومتفشية وساعد علي انتشارها قلة التنظيم وعدم إحكام عملية التصويت، ومن شاهد ميدان الفلكي يوم الأحد يتأكد أن الفوضي هي عنوان حياتنا، أما "فلكلور" هذه الفوضي فهو الزغاريد التي تطلقها سيدات من جميع الأعمار جئن لمساندة البلطجة "الرجالي" وإصباغها صبغة "شعبية". وعاشت البلطجة "الرجالي" و"الحريمي" أيضا!