إن لم تستح فاصنع ماشئت.. وأمريكا لا تستحي علي الاطلاق ولهذا مازالت تدمج تقارير سنوية عن حقوق الإنسان في العالم تقوم برفعها للكونجرس وتخرج وزارة خارجيتها كل عام بتقرير تدرج فيه الدول التي تنتقي كي تسدد لها الانتقادات علي خلفية انتهاكاتها لحقوق الإنسان. التقرير الجديد الصادر في الثامن من الشهر الحالي هو التقرير التاسع والعشرون منذ أن شرعت أمريكا في اصدار أول تقرير لها عام 1977 في عهد الرئيس "كارتر" الغريب أن أمريكا المدانة اليوم بسبب احتلالها لأفغانستان والعراق ولممارساتها سياسة التمييز العنصري والابادة الجماعية والتعذيب في سجون "باغرام" وأبو غريب وجوانتانامو وسجونها السرية التي لا يعلم أحد عددها ولا أماكنها وانتهاكاتها لحقوق الأقليات وفضيحة التنصت علي الأمريكيين في الداخل فضلا عن أنها لم توقع علي نصف المواثيق الدولية لحقوق الإنسان الغريب أن أمريكا بكل هذه الموبقات تقدم علي نشر تقرير حول حقوق الإنسان وتسوغ لنفسها أن تكون حكما وقاضيا وجلادا تقيم سلوك الدول ويدين هذه ويعاقب تلك! من ينتقد من؟ يرد التساؤل عن مدي أحقية أمريكا في استصدار تقارير سنوية علي هذا النحو حيث يتضمن كل الدول ماعدا أمريكا التي تفرض نفسها كقائد وزعيم أخلاقي يفوق الجميع؟! وكأن أمريكا بذلك تتعمد تجاهل ما يجري داخلها من انتهاك حقوق الإنسان وتنسي أنها بذلك تتبني مبدأ المعايير المزدوجة وبالتالي يصبح لا حق لها في أن تنصب نفسها رسولا للأخلاق في العالم وهي تفتقر إلي كل القيم وكل المبادئ التي حضت عليها الشرائع السماوية والقوانين الإنسانية أي أنها ليست في وضع يسمح لها بانتقاد الآخرين. فاقد الشيء لا يعطيه.. لقد جعلت أمريكا من تقارير حقوق الإنسان هذه مثلها مثل تقاريرها حول الدول الضالعة في الارهاب مسوغا لتصفية الحسابات مع أي دولة تختارها وتقف منها موقفا عدائيا مثل كوبا وايران وسوريا وللانصاف نقول إن رجال القانون ومنظمات حقوق الإنسان في أمريكا لم يقفوا مكتوفي الأيدي ولم يلتزموا الصمت بل سارعوا بانتقاد هذه التقارير علي أساس أن أمريكا التي تصدرها تتغافل عن انتهاكاتها في الداخل والخارج وأنه حري بها أولا معالجة مشاكلها وانتقاد نفسها قبل أن تتوجه لانتقاد الآخر ففاقد الشيء لا يعطيه. ولا أدل علي ذلك من قلق منظمات حقوق الإنسان الأمريكية حيال الممارسات التي تضطلع بها أمريكا في السجون العراقية وفي جوانتانامو من انتهاكات بشعة تمتد إلي شتي أنواع التعذيب الجسدي والنفسي واطعام المعتقلين قسريا ويكفي ما بثته احدي محطات التليفزيون الاسترالية مؤخرا عن التعذيب في أبو غريب وظهرت صور مقززة يندي لها الجبين تحمل انتهاكات جنسية فاضحة وكل الممارسات التي أكدت كيف أن أمريكا انتهكت أحكام القانون وصادرت حقوق الإنسان المتعارف عليها عالميا! تقرير اثبات حالة حسناً ما فعلته الصين في معرض الرد علي الاستخفاف الأمريكي بالعالم، فلقد سارعت الصين وفي أعقاب صدور التقرير الأمريكي المذكور بيوم واحد فأصدرت هي الأخري تقريراً عن حقوق الإنسان في أمريكا وجاء أبلغ رد عملي علي المكابرة الأمريكية أبرزت الصين خلاله ما اعتبر انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان قامت بها أمريكا وجاء ليؤكد أنه يتعين علي أمريكا قبل أن تتحدث عن العالم أن تري نفسها أولا في مرآة الحقيقة والانتهاكات البشعة التي ترتكبها والتي باتت مثار انتقاد من العالم. التقرير الصيني يقع في تسعين صفحة ويتضمن الكثير مثل التفرقة العنصرية التي تمارسها أمريكا ضد السود في الداخل، والاغتصاب الجنسي والعنف والتعذيب في السجون والتي تمتد إلي السجون الأمريكية نفسها وقيام الطائرات الأمريكية بقصف قري ومدن آمنة في العراق وقصف الابرياء عند الحدود الباكستانية الافغانية واستخدام أمريكا للفسفور الأبيض في العراق وهو من أسلحة الدمار الشامل!! كشف المستور.. التقرير الصيني جاء كإجراء بليغ ترد به الصين علي مزاعم أمريكا ضدها وضد دول العالم وفي نفس الوقت فإن التقرير الصيني يساعد الشعوب في العالم علي كشف حقيقة أمريكا ويعري المستور ولعل ما تؤكده الصين بتقريرها هذا هو أنه يجب ألا يسمح لأي دولة أن تنصب من نفسها حكما علي العالم ويقول التقرير بصوت عال: أمريكا يا عالم هي أكثر الدول انتهاكا لحقوق الإنسان في الداخل والخارج وبالتالي ليست هي الدولة التي يمكن أن يسمح لها بأن تكون في وضع تمارس فيه انتقاد الآخر وتصويب الاتهامات إلي كل من تتصيده وتريد الايقاع به لغرض في نفس يعقوب التقرير أبلغ رد عملي قامت به الصين ضد أمريكا التي لا تستحي وكأنها تقول لها ما قاله الشاعر العربي: لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم.