الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين غير مقتنع بالطريقة التي يدير بها الداعية عمرو خالد الحملة "التوفيقية" لحل الخلاف مع الدنمارك بشأن الصور المسيئة للنبي الكريم والتي نشرتها احدي الصحف هناك. فالشيخ القرضاوي الذي كان وراء التصعيد الاسلامي وحملة مقاطعة البضائع الدنماركية والذي كان ايضا له دوره البارز ومرجعيته المؤثرة في هذه الازمة يريد غضبا اسلاميا عاقلا ومستمرا يروع المتطاولين علي المقدسات الاسلامية، ولذلك رفض مقابلة وفد دنماركي لانهاء المشكلة لانه وكما يقول " لايريد العمل علي قطع الطريق علي الامة الاسلامية لصالح الدنمارك". والداعية الاسلامي عمرو خالد اتخذ موقفا مغايرا من الدكتور القرضاوي حيث يري ان شعب الدنمارك يحب السلام وتاريخه يشهد علي انه لم يعتد علي احد ولذلك فهو يدعو الي بناء الجسور بدلا من حرقها وسينظم لهذا الغرض مؤتمرا في كوبنهاجن يومي 9 و10 مارس الحالي بمشاركة 170 من علماء الامة الاسلامية لتقديم صورة واضحة عن الاسلام والرسول عليه الصلاة والسلام والمؤتمر سيكون بعنوان "هذا نبينا". والشيخ يوسف القرضاوي رد علي مؤتمر عمرو خالد "الغربي" بمؤتمر "عربي" سيعقد في العاصمة البحرينية المنامة يوم 14 مارس الجاري بمشاركة مفكرين اسلاميين من كل دول العالم لاظهار الغضب الاسلامي..! والشيخ القرضاوي اختار المنامة بصفة خاصة لعقد المؤتمر اخذا في الاعتبار ان العاصمة البحرينية اصبحت معروفة بالحراك السياسي النشط والفعال والمتمثل في العديد من المسيرات والمظاهرات المستمرة والتي كان لها ايضا دور بارز ونشاط ملحوظ وملموس في حملة مقاطعة البضائع الدنماركية كما ان الجمعيات الاسلامية فيها شديدة التأثير والنفوذ حاليا. والشيخ القرضاوي القطري الجنسية المصري الاصل يحظي باحترام وتقدير كبيرين في دول الخليج العربية ولذلك يتوقع ان يحظي المؤتمر الذي دعا اليه في المنامة باهتمام اعلامي وسياسي وديني كبير علي عكس مؤتمر عمرو خالد الذي يري الشيخ القرضاوي انه يقطع الطريق علي الامة الاسلامية لصالح الدنمارك. وحقيقة ،فإنني لست من المعجبين او المنبهرين كثيرا بالداعية عمرو خالد ولكنني اعتقد ان النهج الذي سار عليه في هذه القضية هو الافضل والاكثر توفيقا لنا كمسلمين وكأمة ذات حضاة وتاريخ وثقة في دينها ومعتقداتها. فنحن قد اوضحنا للعالم رسالتنا ،وجاء غضبنا عارما كاسحا جماعيا كما اراده الشيخ القرضاوي تماما، ولكن هذه مرحلة يجب ان نتجاوزها وان نستثمرها في هجوم حضاري علي الغرب لاداء رسالتنا في التعريف بديننا ونبينا وثقافتنا في حوار للبناء ورأب الصدع وقطع الطريق علي الذين يريدون تأليب الغرب ضد المسلمين والذين يريدون ان يجعلوامنا اعداء في معركة غير متكافئة وفي الزمن الصعب. ثم ما الذي يمكن عمله بعد ان قدمت الدنمارك اعتذارها رسميا عبر سفرائها في العديد من الدول الاسلامية هل نستمر في هجومنا حتي يعلنوا استسلامهم ام نستمر في استفزازهم حتي تنقلب المقاطعة ضدنا عندما تبدأ الدول الاوروبية الاخري في التعاطف مع الدنمارك ضد المقاطعة وندخل كل يوم في معركة ومواجهة جديدة. وقد يحاول البعض الايماء بأن للداعية عمرو خالد اهدافه واجندته الخاصة من وراء دفع وتشجيع هذا الحوار مع الدنمارك وهو ما قد يكون صحيحا غير انه لا يتعارض مع وجاهة الفكرة وجدوي المحاولة ورقي الاسلوب في التعامل والتخاطب مع الفكر والعقلية الغربية. ان الشيخ القرضاوي كان علي حق عندما ذكر ان ما حدث كان ضروريا كوسيلة تنبيه للأمة الاسلامية، فقد استفدنا كثيرا من الازمة وتخلصنا من كم هائل من الضغوط التي كانت تمارس علينا وتضعنا دائما في موقف الدفاع ، ولكن علي الشيخ القرضاوي ان يدرك ايضا أن مايزيد علي الحد ينقلب الي الضد، فانتفاضة الغضب الاسلامية كانت في بدايتها موجهة ضد الدولة التي اساءت صحافتها للنبي الكريم ، وهو امر كان مقبولا في البداية وشارك فيه الجميع الا ان هذا الغضب عندما سيفتقد وجود العدو الحقيقي لمحاربته فإنه سينتقل بالمعركة الي داخل العالم الاسلامي ويتحول الي تطرف وعنف مدمر وحاد وبلا تمييز. ان هناك الكثير من المشاكل الاجتماعية والسياسية الحادة والمزمنة في العديد من الدول العربية، والكثيرون من اصحاب هذه القضايا يبحثون عن تربة صالحة للحركة وتحريك الشعوب واستثمار تحركها لتحقيق ما عجزوا عنه عقودا طويلة من الزمان ، وستكون مجازفة كبري اذا ما ارتبط الغضب الديني بالاحباط واليأس الاجتماعي لان الذين سيخرجون للشوارع للتعبير عن مواقفهم سيخرجون مخزون الغضب كله ولن يدفع الغرب او الدنمارك ثمن هذا الغضب بقدر ما ستتحمله كل المجتمعات الاسلامية ،وهو امر يدركه الشيخ القرضاوي جيدا وعليه ان يحذر من عواقب جر الشارع الاسلامي الي دوامة من الفوضي والتخبط وفقدان بوصلة التوجيه والسيطرة ايضا..! [email protected]