مثلما أن جنرال موتورز تعد نموذجا للشركات الأمريكية فإن فولكس فاجن تعتبر رمزا للاقتصاد الصناعي الألماني.. ولسوء الحظ فإن التشابه بين الشركتين لا يتوقف عند هذا الحد.. ففي أواخر العام الماضي أعلنت جنرال موتورز عن خفض كبير في العمالة ويوم العاشر من فبراير 2006 جاء الدور علي فولكس لتعلن أنها سوف تستغني خلال السنوات الثلاث القادمة عن 20 ألف وظيفة من جملة عمالها الألمان البالغ عددهم 103 اَلاف عامل كما ستطلب من عمالها ساعات عمل إضافية مدفوعة الأجر.. وقد ترتب علي هذا الإعلان ارتفاع سعر سهم فولكس بنسبة 15% علي الفور. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن كل شركات السيارات الأوروبية تمر بظروف مماثلة فلكي تحافظ علي قدرتها التنافسية يتعين علي شركات رينو وفيات وبيجو ستروين أن تخفض التكاليف داخل أوطانها وأن تواصل الاستثمار في البلدان ذات العمالة الرخيصة في الخارج.. وهذه أمور تثير قلق الساسة ورجال النقابات. والقضية المزعجة حقا هي أن شركات السيارات الأوروبية لن يمكنها أن تظل مولدا للعمالة الكثيفة في أوطانها لسبب بسيط هو ارتفاع تكاليف العمالة في أوروبا القديمة "خاصة فرنساوألمانيا" بالمقارنة مع أوروبا الجديدة "رومانيا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك" ناهيك بالطبع عن الصين. وتقول الأرقام إن صناعة السيارات ومكوناتها في بلد مثل ألمانيا تستوعب 8.1 مليون عامل.. ويقول اتحاد عمال السيارات الألماني إن واحدا من كل سبعة ألمان يرتبط عمله مباشرة أو بشكل غير مباشر بصناعة السيارات. ولعل هذا يفسر لنا سر السلوك الحذر الذي تتبعه فولكس في ألمانيا.. ففي اجتماع عقد منذ أيام مع ممثلي العمال قدمت لهم إدارة فولكس احصائية رسمية تقول إن 6 من مصانعها في غرب ألمانيا تبلغ التكلفة في كل منها 4 أضعاف التكلفة في مصنعها بالبرتغال.. ولم تشر فولكس إلي تكلفة مصانعها في أوروبا الوسطي أو الصين بسبب الحساسية في ألمانيا من فكرة أن المنافسة من جانب الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي ستؤثر بالسالب علي مستويات المعيشة الألمانية خصوصا أن أجور عمال أوروبا الوسطي أرخص كثيرا من أجر العامل الألماني.. فأجر الساعة لعامل صناعة السيارات في جمهورية التشيك 2.5 يورو "2.6 دولار" وفي الصين 1.1 يورو أما في غرب ألمانيا فالأجر يزيد علي 50 يورو في الساعة.. والمفارقة أن الصين تحولت لأول مرة من العام الماضي لتصبح دولة مصدرة للسيارات. ولذلك لا أحد يدهش كثيرا عندما تلقي فولكس فاجن بثقلها وراء استثماراتها في الصين "لديها مصنعان تمتلك 40% من أحدهما و50% من الاَخر" وروسيا حيث تبني هناك مصنعا جديدا قرب موسكو.. وإذا كانت الضغوذ السياسية قد أجبرت فولكس مؤخرا علي إنتاج سيارتها الرياضية الجديدة في مصانعها بألمانيا وليس في البرتغال فأغلب الظن أن هذا سيكون اَخر تنازل من نوعه تقدمه إدارة الشركة. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن مشاكل فولكس حادة بشكل خاص حيث تعمل مصانعها الأوروبية بنحو 80% فقط من طاقتها مقابل 84% لمصانع رينو ونحو 97% لمصانع BMW ومع ذلك فالاستغناء عن العمالة وخفض التكاليف يحدث في شركات أخري مثل ديملر كرايزلر التي أعلنت مؤخرا الاستغناء عن 20% من وظائف الإدارة الوسطي كجزء من الاستغناء عن 8500 عامل في مرسيدس في ألمانيا مع حلول سبتمبر القادم وتحاول الشركات التخفيف من وقع مثل هذه القرارات عن طريق القول بأن الأرقام ستشمل من يصلون بشكل طبيعي إلي سن التقاعد. وفي فرنسا وإيطاليا تعيش شركات السيارات حالة اضطراب هي الأخري.. ففي شركة رينو الفرنسية يحاول العبقري كارلوس غصن أن يعالج مشاكلها من دون الاستغناء عن العمالة لوعيه بأن أي قرار بخفض عدد العمال كفيل بإثارة المظاهرات والاضطرابات ناهيك عن كونه قرارا لن توافق عليه الحكومة الفرنسية التي تمتلك 15% من رينو.. وبدلا من الاستغناء عن العمالة يقدم غصن 26 موديلا جديدا من رينو في السنوات الأربع القادمة ليعطيها دفعة قوية في مجال السيارات الفاخرة الأعلي ربحية ومع ذلك يبدو قرار الاستغناء عن العمالة قرار حتمي في نهاية المطاف خصوصا أن مصنع رينو في ساندوفيل يعمل بنحو 40% فقط من طاقته. وفي إيطاليا تتكرر الصورة الصعبة ولكن سيرجيو مارتشيوني الرئيس التنفيذي لشركة فيات استطاع منذ توليه منصبه عام 2004 الاستغناء عن 15% من عمالها لمجرد إبقاء فيات علي قيد الحياة والمنتظر أن يستغني الرجل عن مزيد من العمال بعد الانتخابات البرلمانية المقرر لها 9 ابريل القادم. ويري بعض المتشائمين أن شركات السيارات الأوروبية سوف تنقرض في غضون 10 إلي 15 عاما من الاَن وأن مصنع BMW في ليبزج سيكون اَخر مصنع تفتحه شركة أوروبية في غرب أوروبا.. ويكفي أن نعرف أن شركة مثل بيجو لديها بالفعل مصانع تنتج 300 ألف سيارة سنويا في جمهورية التشيك بالاشتراك مع تويوتا، فهذا هو اتجاه المستقبل.