تحتاج المجتمعات دائما الي جرعات منشطة من الفرحة والابتهاج لتساعدها علي المعاناة اليومية والضغوط المستمرة التي لا تنتهي. ويبدو ان المناسبات الوطنية والدينية والاجتماعية لم تصبح كافية لكي تتغلب الشعوب علي تلك الصغوط.. لذلك تجد هذه الشعوب ان الفرصة تكون متاحة لها عند اي حدث رياضي تخطط له وتعايشه املا في الحصول علي منشط للفرح والسرور وكسر الروتين. علي أن واقع الامر يظهر ان هذه الشعوب ليست فقط في حاجة الي حدث رياضي ترفيهي بل هي ترغب في انتصار من خلال هذا الحدث يزيل عنها حالة الاحباط واليأس الناتجة عن عدم تحقيق طموحاتها او علي الاقل طموحات فئات كبيرة منها. وليس جديدا ان تحصل مصر علي بطولة كأس الأمم الافريقية فقد نالتها اربع مرات من قبل وكانت الخامسة اعلانا عن تحطيمها لعدد المرات التي حصلت عليها اي دولة افريقية لهذا الكأس.. ولكن الجديد الذي يستحق التعليق هو وجود ايجابيات عديدة خلقت في مجملها لوحة جميلة متميزة عاشها الشعب المصري لمدة عشرون يوما هي مدة البطولة او الدورة. فلم تشهد مصر منذ فترة هذه الجدية من لاعبي كرة القدم الذين اتهموا لفترات طويلة بانهم اكبر المدللين في الميدان الرياضي فقد كانت كل او معظم التوقعات تشير الي صعوبة وصول الفريق المصري الي المربع الذهبي وليس الي المباراة النهائية.. وسمعنا وقرأنا عن عدم وجود استعداد كاف للاعبين وعن فارق الامكانات بينهم وبين اللاعبين الأفارقة المحترفين!! صحيح ان التوفيق قد حالف الفريق المصري في هذه الدورة ولكن الصحيح ايضا ان جميع افراد هذا الفريق قد ارتقي الي مستوي المسئولية والالتزام باستثناء لاعب توتنهام المشاكس والذي ندم علي ما فعل وعاد لصوابه والصحيح ايضا ان افراد الفريق قد بذلوا كل الجهد الممكن لاثبات جدراتهم لكل شاهد عيان من النقاد والجمهور المتخصص في كرة القدم.. وكانت تلك مساحة من الجمال صنعها رجال الفريق القومي. والجديد ايضا في هذه الددورة وجود تنظيم مبهر تستحق عليه اللجنة المنظمة كل التحية والتقدير.. ولعلنا لم نر مثل هذا التنظيم من قبل في مناسبة جماهيرية حاشدة يصعب السيطرة علي كل عناصرها وكانت تلك مساحة من الجمال صنعها رجال اللجنة المنظمة للدورة. وما من شك ان مساحة الجمال اتسعت وكبرت بجهود لها كل التقدير سواء من رجال الأمن والمرور أو من رجال الاستاد المبهر وجهود مخلصة من ابناء القوات المسلحة وكذلك جهد اعلامي متميز ونقل تليفزيوني ممتع بعد ان تم اعطاء العيش لخبازه بعيدا عن التشنجات والمكابرة والشعارات الوطنية الزائفة! إلا أن تلك المساحة من الجمال قد ازدادت وتجملت اكثر واكثر بالجمهور الجديد الذي ملأ مدرجات استاد القاهرة من الشباب الذين يمكن تسميتهم بال New Comers وخصوصا من بنات حواء.. فقد اعتدنا ان نري الجمهور الاعم الاشمل من حضور مباريات كرة القدم سواء باستاد القاهرة او باستاد النوادي مقصورا علي فئة معينة من فئات المجتمع لا يشارك فيها غيرهم.. وتحت شعار ان هذا الجمهور هو العصب الحقيقي لكرة القدم تحمل الجميع من لاعبين واعلاميين ومشاهدين بالمنازل الكثير والكثير جدا من تصرفات سلبية اثرت بالقطع علي اللعبة ومسيرتها ولا ازيد في ذلك حرصا علي شعور المخلصين من هذا الجمهور. والسؤال المطروح: هل يمكن ان يستمر جمهور كرة القدم الجديد ويفرض نفسه مع حفظ حق الجميع في الاستمتاع باللعبة وارتقائها؟ إذا علمنا ان عددا كبيرا من المشجعين الجدد من الاناث اللاتي اضفن طعما ومذاقا خاصا للدورة من حيث الشعارات والملابس والتقاليع واختفت فيما علمت العبارات المسفه والتعليقات الخارجة والتفت الاسر لمساندة هذه الظاهرة ومباركتها فهل يصح ان نترك تلك الفرصة او الاضافة الحقيقية التي قد يصعب تعويضها؟ اعتقد ان جهودا مخلصة في هذا الاتجاه كفيلة بان تحقق استمرار هذه الظاهرة والاستفادة من ايجابياتها. وقد رأي جموع الشعب المصري السيدة سوزان مبارك وهي تتفاعل ببساطة وتلقائية مع احداث المباراة وتشجع الفريق المصري بمنتهي الحماس وتلوح بالعلم المصري وتهنئ الرئيس بطرق تلقائية كسبت بها قلوب ومباركة وتشجيع كل الجماهير التي كانت تتابع المباراة النهائية سواء بالاستاد او من خلال شاشات التليفزيون.. ولذلك اري ان الفرصة متاحة لكي تقوم السيدة سوزان مبارك بتحقيق شعار كرة القدم للجميع بل الرياضة للجميع بعد ان نجحت في تحقيق شعار القراءة للجميع. ويارب تتسع مساحة الجمال بمصر ولو حتي عن طريق كرة القدم.