رغم مرور أربع سنوات علي سقوط حكم طالبان فإن الأوضاع الاقتصادية في أفغانستان لم تستقر بعد كما أن الاَمال التي كانت معقودة علي الحكم والمساعدات الدولية لإعادة الإعمار لم تتحقق هي الأخري بالدرجة المطلوبة. ويقول رجل الأعمال الأفغاني كريم صديق 55 عاما لمجلة "الإيكونوميست" إنه ترك ألمانيا حيث كان يعمل في تجارة واستيراد الشاحنات المستعملة وقرر العودة إلي أفغانستان بعد تحريرها من حكم طالبان.. وبعد استقراره في العاصمة كابول استثمر أمواله في العقارات حيث قام بشراء أراضي البناء كما أقام مع شريك اَخر برجا للسكن الإداري.. ويؤكد صديق أن قيمة ممتلكاته العقارية زادت إلي عشرة أضعاف ما كانت عليه عام 2001 ولكن أبراج السكن الإداري في قلب كابول لم يزل معظمها غير مأهول لأن حركة الاستثمار ضعيفة بدرجة ملحوظة. أضف إلي ذلك أن أفغانستان لم تتسلم معظم المبالغ التي كان مقررا أن يقدمها المجتمع الدولي وقدرها 10 مليارات دولار للمساعدة في إعادة الإعمار ولذلك نجد أن البنية الأساسية لاتزال متهالكة ولا تصلح لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. فشبكة الكهرباء في كابول لا تعمل سوي أربع ساعات يوما بعد يوم ولن يتسني توافر الكهرباء في العاصمة علي مدار الساعة قبل حلول عام 2008. كما أن شبكة الطرق متهالكة ولا توجد مياه صالحة للشرب في كثير من المدن، بل إن المتاريس المقامة في الشوارع لحماية مقار الشركات الأجنبية تعوق المرور وتذكر الجميع بأن خطر الهجمات الإرهابية من فلول طالبان وغيرها لايزال قائما. ولا يعد انعدام أو ضعف الأمن هو العائق الوحيد للاستثمار بل إن هناك أيضا الفساد الحكومي المستشري.. فأجر موظف القطاع العام لا يتجاوز ال50 دولارا في الشهر بينما يصل إيجار الشقة المتواضعة للسكن إلي مئات الدولارات شهريا. والأمر المؤسف أن أكثر قطاعات الاقتصاد الأفغاني ازدهارا حتي الان لايزال هو تجارة المخدرات التي تمثل إجمالي الناتج المحلي في أفغانستان، ويقدر حجمها بنحو 2.7 مليار دولار في حين لا تتجاوز إيرادات الحكومة سنويا ال260 مليون دولار حسب أرقام عام ،2005 ولا يمثل دخل الحكومة سوي 4.5 من إجمالي الناتج المحلي وهو أقل المعدلات في العالم.. ولا تكفي الإيرادات الحكومية لتغطية المصروفات الجارية لمختلف الوزارات، ناهيك عن توفير شيء للاستثمار من أجل مستقبل البلاد.. ومع ذلك تقول "الايكونوميست" إن هناك بوادر أمل؛ حيث يتحدث الدبلوماسيون الأجانب عن حدوث تحسن في أرقام وزارة المالية والبنك المركزي منذ عام 2001 وحتي الان، فالنمو الاقتصادي يحدث بثبات وإن كان قد بدأ من نقطة بالغة التدني والانخفاض.. وفي العام الماضي كان معدل النمو الاقتصادي 14% بسبب غزارة الأمطار وجودة الزراعة التي تعد شريان الحياة بالنسبة لنحو 80% من شعب أفغانستان، كذلك فإن قطاع التشييد في حالة ازدهار، أما الصادرات فقد زادت بنسبة 40% لتصبح 500 مليون دولار، وقد قامت شركة كوكاكولا بفتح مصنع لها علي مشارف كابول إلي جانب مشروع لتنقية المياه لتصبح صالحة للشرب. ولعل أكبر النجاحات هي تلك التي تحققت في قطاع الاتصالات في بلد كان حتي عام 2002 لا يوجد فيه سوي خط تليفوني واحد لكل ألف مواطن، وتوجد في أفغانستان شركتان لخطوط التليفون الثابتة هما شركة الاتصالات اللاسلكية المملوكة جزئيا للدولة وشركة روشان المملوكة جزئيا لأغاخان، وفيهما الاَن معا نحو 663 ألف مشترك وتغطيان أجزاء واسعة من أفغانستان. إلي جانب ذلك انتشر التليفون المحمول حتي بين الفلاحين وصار له تأثير واضح علي قطاع الأعمال حيث أصبح بمقدور الفلاح الأفغاني أن يعرف أسعار الماشية قبل أن يقرر بيعها في الأسواق عن طريق التليفون المحمول.