في 7 أيام فقط من 22 - 29 ديسمبر 2005 عقدت شركة الصلب الاوروبية ارسيلور التي يوجد مقرها الرئيسي في لكسمبورج ثلاث صفقات استحواذ واندماج حيث اشترت حصة قدرها 50% من شركتين في كوستاريكا وحصة قدرها 20.5% من شركة صلب تركية ثم تقدمت بعرض شراء اجباري لشركة دوفاسكو اكبر شركات الصلب الكندية قيمته 4.2 مليار دولار وهو يفوق العرض الذي كان قد تقدمت به شركة كروب الالمانية وجرت الموافقة عليه. والحقيقة ان صفقات ارسيلور جزء من موجة اندماج واستحواذ عارمة اجتاحت اوروبا في عام 2005 ولاتزال مستمرة حتي الان.. وسوف يدخل عام 2005 التاريخ باعتباره ثالث عام قياسي في حركة الاندماج والاستحواذ علي مدار التاريخ ويقدر مورجان ستانلي حجم الاندماجات والاستحواذات الاوروبية عام 2005 بنحو تريليون دولار او 44% من جملة عمليات الاندماج والاستحواذ العالمية ويؤكد باولو بيرايرا رئيس قسم الاندماج والاستحواذ في بنك الاستثمار الاوروبي ان النصف الاول من عام 2006 سيشهد مزيدا من النشاط في هذه العمليات واذا كانت الشركات قد قضت النصف الاول من العقد الاول من القرن الحادي والعشرين في تقليل ديونها وتنظيف موازناتها فان توافر المال الرخيص بفضل انخفاض اسعار الفائدة قد انعش كثيرا حركة الاندماج والاستحواذ. صحيح ان عمليات الاندماج والاستحواذ في اوروبا لم تصل بعد الي الذروة التي كانت قد بلغتها عام 1999 وعام 2000 ولكنها عادت الي التصاعد بقوة في الثمانية عشر شهرا الاخيرة وزادت في عام 2005 بنسبة 25% عما تحقق في عام 2004.. لقد كانت شركات النماذج هي البطل الرئيسي لمسرح الاندماج والاستحواذ عندما كانت بقية الشركات تحاول سداد ديونها ولكن حركة الاندماج شملت الان كل الشركات وكل الصناعات وان تركزت اكبرها في قطاعات الطاقة والبنوك والتأمين والميديا والاتصالات. ومن اكبر الصفقات التي تمت في اوروبا في العام الاخير شراء تيليكوم ايطاليا حصة 44% في شركة تليلكوم ايطاليا موبايل مقابل 28 مليار دولار وقيام بنك يوني كريدتو الايطالي بشراء بنك (BHV) الالماني مقابل 22 مليار دولار.. ويذكر مورجان ستانلي ان عدد صفقات الاندماج والاستحواذ التي تبلغ قيمتها مليار دولار او اكثر قد تضاعف في عام 2005 عما كان عليه في عام 2004 اما عدد الصفقات التي تزيد قيمتها علي 5 مليارات دولار فقد زاد عام 2005 من 130 صفقة ليصبح 408 صفقات اي اكثر من ثلاثة اضعاف ما كان عليه عام 2004. وتذكر مجلة "تايم" ان وراء ازدهار عمليات الاندماج والاكتساب شعور الشركات الاوروبية بحاجتها الي ان تصبح اكبر حجما حتي يمكنها الصمود في اسواق المنافسة العالمية الشرسة.. ولاشك ان عمليات اعادة هيكلة وتحرير مختلف القطاعات الاقتصادية من الاتصالات الي الطاقة قد سهل انتعاش موجة الاندماج والاستحواذ وجعلها اكثر ضرورة وعجلة.. كذلك فان اتجاه الشركات الغربية الي العمل او التصدير لاسواق شرق اوروبا قد سهل عمليات الاستحواذ في هذه الاسواق.. وتقول شركة البيانات ديلوجيك ان صفقات الاندماج التي تشمل شركات من شرق اوروبا تضاعفت قيمتها عام 2005 بنسبة 250% وكان عددها 1700 صفقة قيمتها الاجمالي 100 مليار دولار ولاشك ان برامج الخصخصة الناجحة في شرق اوروبا قد اسهمت في تسهيل عمليات الاندماج والاستحواذ ولعل اشهر الصفقات في هذا الخصوص قيام شركة سيبنفت لشراء شركة جازبروم مقابل 13.6 مليار دولار وهما شركتان روسيتان من اكبر شركات البترول والغاز. ولابد من الاشارة الي ان محاولات بعض الحكومات الاوروبية لحماية بعض شركاتها الوطنية بدعوي كونها من الرموز القومية لم تفلح في عرقلة موجة الاندماج والاستحواذ العارمة وذلك لان الاعتبارات الاقتصادية كانت اقوي واكثر الحاحا حيث كثيرا ما كان الاندماج ضرورة من ضرورات النمو للشركات الاوروبية. ويبقي ان نقول ان ازدهار موجة الاندماج والاستحواذ في العام الماضي لم تصحبه اخطاء كثيرة في تقدير قيمة الاصول المشتراة وذلك بعكس الموجات السابقة وربما كان ذلك لان الشركات صارت اكثر خبرة الي جانب ان الاسواق صارت اكثر اتساعا وتنوعا امام المشترين والراغبين في الاندماج والاستحواذ.